بغرور » وحملهما على تمني منزلتهم فنظرا إليهم بعين الحسد (١) فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة ، فعاد مكان ما أكلا شعيرا ، فأصل الحنطة كلها مما لم يأكلاه ، وأصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه ، فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين « وطفقا يقصفان عليهما من ورق الجنه ونادهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين * فقالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفرلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين » قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش ، فلما أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما : إنكما إنما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليهما فجزاؤ كما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل إلى أرضه ، فسلا ربكما بحق الاسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما ، فقالا : « اللهم إنا نسألك بحق الاكرمين عليك : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة إلا تبت علينا ورحمتنا » فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم ، فلم تزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الامانة ويخبرون بها أوصياءهم والخلصين من اممهم فيأبون حملها ، يشفقون من ادعائها وحملها الانسان الذي قد عرف ، فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة ، وذلك قول الله عزوجل : « إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا ». (٢)
بيان : لا يتوهم أن آدم عليهالسلام صار بتمني منزلتهم من الظالمين المدعين لمنزلتهم على الحقيقة حتى يستحق بذلك أليم النكال ، فإن في عدة من الظالمين في هذا الخبر نوعا من التجوز ، فإن من تشبه بقوم فهو منهم ، وتشبهه عليهالسلام بهم في التمني ومخالفة الامر
ـــــــــــــــ
(١) قد عرفت قبل ذلك أن الانبياء معصومون في جميع أدوار حياتهم ، ولا يصدر عنهم صغيرة ولا كبيرة من الذنب ، فعليه لابد أن يحمل قوله ذلك على غير ظاهره فيكون المراد من الحسد الغبطة كما يشير إليه قوله بعد ذلك : إنكما إنما ظلمتما انفسكما بتمنى منزلة من فضل عليكما ، ويأتى في الخبر الاتى أن آدم لما اطلع على منزلتهم فرح بذلك وهو ينافى الحسد لو قلنا بظاهره ، أضف إلى ذلك ان اسناد الحديث لضعفه وجهالة بعض رواته لا يقاوم ما برهن عليه في محله من عصمة الانبياء عليهمالسلام ، وكل ماورد في قصص الانبياء عليهمالسلام مما ينافى ظاهره عصمتهم فسبيله سبيل ذلك.
(٢) معانى الاخبار : ٣٨ ـ ٣٩. م