وأتمهم وقارا ، وأحسنهم صورة ، وأكملهم هيبة ، وأعدلهم خلقا ، مجللا بالنور والهيبة ، موشحا بالجلال والسكينة ، فانتقل النور من حواء إليه حتى لمع في أسارير (١) جبينه وسبق (٢) في غرة طلعته ، فسماه آدم شيثا ، وقيل : إنه إنما سماه هبة الله ، حتى إذا ترعرع وأنيع وكمل (٣) واستبصر أذاع إليه (٤) آدم وصيته ، وعرفه بمحل ما الستودعه وأعلمه أنه حجة الله بعده ، والخليفة في الارض ، ولمؤدي حق الله إلى أوصيائه ، وأنه ثاني انتقال الذرية الطاهرة والجرثومة الظاهرة ، (٥) وأن آدم حين أدى الوصية إلى شيث عليهالسلام اجتنبها (٦) واحتفظ بمكنونها ، وأتت وفات آدم وقرب انتقاله فتوفي يوم الجمعة لست خلون من نيسان في الساعة التي كان فيها خلقه ، وكان عمر آدم (ع) تسع مائة وثلاثين سنة ، وكان شيث وصي أبيه على ولده. ويقال : إن آدم مات عن أربعين ألفا من ولده وولد ولده ، فتنازع الناس في قبرة ، فمنهم من قال : إن قبره بمنى (٧) في مسجد الخيف ، و منهم من رأى أنه في كهف في جبل أبي قبيس ، وقيل غير ذلك ، والله أعلم بحقيقة الامر ، وإن شيثا حكم في الناس واستشرع في صحف أبيه وما انزل عليه في خاصة من الاسفار والاشراع ، وإن شيثا واقع امرأته فحملت بأنوش فانتقل النور إليها حتى إذا وضعته ساخ النور عليه ، (٨) فلما بلغ الوصاية أو عز إليه شيث شأن الوديعة وعرفه شأنها وأنها شرفهم ، وأوعز إليه أن ينبه ولده على حقيقة هذا الشرف وكبر محله ، وأن ينبهوا أولادهم عليه ، ويجعل ذلك وصية فيهم منتقلة مادام النسل ، فكانت الوصية جارية تنتقل من قرن إلى قرن إلى أن أدى الله النور إلى عبدالمطلب وولده عبدالله إلى رسول الله (ص) ، وإن
ـــــــــــــــ
(١) الاسارير : خطوط في الجبهة ، واحدها السر ، والجمع أسرار ، وجمع الجمع أسارير ،
(٢) في المصدر : وبسق. م
(٣) « : ترعرع ويفع وكهل. ترعرع الصبى : نشأ وشب. وأنيع لعله من ناع الغصن أى مال. أو مصحف أينع بتقديم الياء من اينع الشجر أى أدرك وطاب وحان قطافه ، أو يفع كما في المصدر أى ترعرع وناهض البلوغ.
(٤) في المصدر : وعزاليه. م
(٥) « : الزاهرة. م
(٦) « : احتقبها. وفى نسخة : اختبيها.
(٧) « : ان قبره بنى اه. م
(٨) واستظهر في الهامش أن الصحيح : لاح النور عليه.