أي في ظاهر الامر والرأي لم يتدبروا ما قلت ولم يتفكروا فيه ، وقيل : أي اتبعوك في الظاهر وباطنهم على خلاف ذلك « وما نرى لكم علينا من فضل » لتوهمهم أن الفضل إنما يكون بكثرة المال والشرف في النسب « على بينة من ربي » أي على برهان وحجة تشهد بصحة النبوة وهي المعجزة ، أو على يقين وبصيرة من ربوبية ربي وعظمته « وآتاني رحمة » وهي هنا النبوة « فعميت عليكم » أي خفيت عليكم لقلة تدبركم فيها « أنلزمكموها » أي أتريدون أن اكرهكم على المعرفة والجئكم إليها على كره منكم ، هذا غير مقدور لي « وما أنا بطارد الذين آمنوا » قيل : إنهم كانوا سألوه طردهم ليؤمنوا له أنفة من أن يكونوا معهم على سواء « إنهم ملاقوا ربهم » فيجازى من ظلمهم وطردهم ، أو ملاقوا ثوابه فكيف يكونون أراذل؟ وكيف يجوز طردهم « من ينصرني من الله » أي يمنعني من عذابه. (١)
« ولا أقول لكم عندي خزائن الله » قال البيضاوي : أي خزائن رزقه وفضله حتى جحدتم فضلي « ولا أعلم الغيب » أي ولا أقول : أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعادا وحتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب « ولا أقول إني ملك » حتى تقولوا : ما أنت إلا بشر مثلنا « ولا أقول للذين تزدري أعينكم » ولا أقول في شأن من استذلتموهم لفقرهم « لن يؤتيهم الله خيرا » فإن ما أعدالله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا « إني إذا لمن الظالمين » إن قلت شيئا من ذلك ، والازدراء افتعال من زرأه : إذا عابه ، وإسناده إلى الاعين للمبالغة والتنبيه على أنهم استرذلوهم بما عاينوا من رثاثة حالهم دون تأمل في كمالاتهم « قد جادلتنا » خاصمتنا « فأكثرت جدالنا » فأطلته أو أتيت بأنواعه « فأتنا بما تعدنا » من العذاب « إن كنت من الصادقين » في الدعوى والوعيد فإن مناظرتك لا تؤثر فينا « إنما يأتيكم به الله إن شاء » عاجلا وآجلا « وما أنتم بمعجزين » بدفع العذاب أو الهرب منه « ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم » شرط ودليل جواب والجملة دليل جواب قوله : « إن كان الله يريد أن يغويكم » وتقدير الكلام : إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم ينفعكم نصحي. (٢)
ـــــــــــــــ
(١) مجمع البيان ٥ : ١٥٥ ـ ١٥٨. م
(٢) انوار التنزيل ١ : ٢١٩. م