إلا قليلا وإذا الركب قد أقبل وحول البئر قد نزلوا ، وحطوا الاحمال عن الجمال ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله يحب الخلوة بنفسه ، فأقبل تحت الشجرة فاخضرت وأثمرت من وقتها وساعتها ، فما استقر بهم الجلوس حتى قام النبي صلىاللهعليهوآله فمشى إلى البئر فنظر إليها واستحسن عمارتها ، وتفل فيها فتفجرت منها عيون كثيرة ، ونبع منها ماء معين ، فلما رأى الراهب ذلك قال : يا أولادي هذا هو المطلوب فبادروا بصنع الولائم من أحسن الطعام لنتشرف بسيد بني هاشم ، فإنه سيد الانام ، لنأخذ منه الذمة (١) لسائر الرهبان ، فبادر القوم لامره طائعين ، وصنعوا الولائم ، وقال لهم : انزلوا إلى أمير هذا القوم (٢) وقولوا له إن أبانا يسلم عليك ، ويقول لك : إنه قد عمل (٣) وليمة وهو يسألك أن تجيبه وتأكل من زاده ، فنزل بعض الرهبان فما رأى أحسن من أبي جهل لعنه الله ، ولم ير رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأخبر أبا جهل بمقالة الراهب ، فنادى في العرب : إن هذا الراهب قد صنع لاجلي وليمة ، واريد أن تجيبوا لدعوته (٤) ، فقال القوم : من نترك عند أموالنا؟ فقال أبوجهل : اجعلوا محمدا عند أموالنا فهو الصادق الامين ، وفي هذا المعنى قي شعر :
ومناقب شهد العدو بفضلها |
|
والفضل ما تشهد به الاعداء |
فسار القوم إلى النبي صلىاللهعليهوآله وسألوه أن يجلس عند متاعهم. وسار القوم إلى الراهب يتقدمهم أبوجهل لعنه الله ، وقد أعجب بنفسه ، فلما دخلوا الدير أحضر (٥) لهم الطعام وناداهم بالرحب والاكرام ، فأخذ القوم في الاكل ، وأخذ الراهب القلنسوة جعل ينظر فيه ويدور على القوم رجلا رجلا (٦) ، وجعل ينظر فيهم رجلا رجلا ، فلم ير صفة النبي
____________________
(١) الذمم خ ل.
(٢) الركب خ ل.
(٣) في المصدر : عمل لك. وفيه : أن تجيب عزيمته وتأكل وليمته.
(٤) في المصدر : أن تجيبوا عزيمته. وتأكلوا من وليمته.
(٥) أحضروا.
(٦) وأخذ الراهب السفر في يده وهو ينظر فيه ويدور على القوم رجلا خ ل وهو الموجود
في المصدر.