فرحل القوم يجدون السير إلى ديارهم ، وقد غنموا أسلابا من اليهود ، وخيلهم وسلاحهم ، وقد فرحوا بالنصر والظفر ، فلما استقاموا على الطريق قال لهم ميسرة : ما منكم أحد يا قوم إلا وقد سافر مرة أو مرتين أو أكثر ، فهل رأيتم أبرك من هذه السفرة ، وأكثر من ربحها؟ وما ذلك إلا ببركة محمد صلىاللهعليهوآله ، وهو قد نشأ فيكم وهو قليل المال ، فهل لكم أن تجمعو له شيئا من بينكم على جهة الهدية حتى يستعين به على حاله ، فقالوا له : والله لقد أصبت الرأي يا ميسرة ، ثم إن القوم نزلوا منزلا كثير الماء والاشجار والانهار ، فاستخرج كل واحد منهم شيئا لطيفا ، وجاؤا به على سبيل الهدية ، وكان يحب الهدية ، ويكره الصدقة ، فلما جمعوه (١) بين يديه قالوا له : خذها مباركة عليك ، فدفعها إلى ميسرة ولم يرد جوابا ، ثم إن القوم رحلوا يجدون السير ، ويقطعون الفيافي والاودية إلى أن نزلوا دير الراهب ، وهو الوادي الذي تزودوا منه التمر ، ثم إنهم رحلوا حتي قربوا من مكة ونزلوا بحجفة (٢) الوداع ، فأخذ الناس ينفذون إلى أهاليهم يبشرونهم بقدومهم وغنمهم ، قال أبوجهل لعنه الله : يا قوم ما رأيت ربحا أكثر من سفرتنا هذه ، فقالو (٣) : نعم ، قال وأكثرنا أرباحا محمد صلىاللهعليهوآله ، قال : ما كنت أحسب أنه يجلبهم من أماكنهم ، ويبيع عليهم بأغلى الثمن ، ثم أخذ القوم في إنفاذ رسلهم ، ونفذ أبوجهل وغيره (٤) رسلا ، فأقبل ميسرة إلى النبي صلىاللهعليهوآله وقال : يا قرة العين هل ارشدك إلى خير يصل إليك؟ قال : ما هو؟ قال : تسير من وقتك وساعتك إلى مولاتي خديجة ، وتبشرها بسلامة أموالنا ، فإنها تعطي من يبشرها خيرا كثيرا ، وأنا احب أن يكون ذلك لك ، فقم الآن وسر إلى مكة ، وادخل على مولاتي خديجة وبشرها بسلامة أموالها ، فقام النبي صلىاللهعليهوآله وقال : يا ميسرة اوصيك بمالك ونفسك خيرا ، وركب مستقبل الطريق وحده يريد مكة ، وغاب عن الابصار ، فبعث الله ملكا يطوي له البعيد ، ويهون عليه الصعب الشديد ، فلما أشرف على الجبال
____________________
(١) في المصدر : جمعوها.
(٢) في المصدر : بجحفة الوداع ، بتقديم الجيم.
(٣) في المصدر : قالوا يا سيدنا ما فينا من ربح مثل ما ربح محمد.
(٤) ذكر في المصدر مكان غيره أسماء يطول ذكرهم.