فإذا عرفت ذلك فلنتكلم فيما تقدم من الاخبار فإنها مع كثرتها مشتملة على سهو النبي (ص) فحملها الاكثر على التقية لاشتهارها بين العامة ، وبعضهم طرحها لاختلافها ومخالفتها لاصول المذهب من حيث ترك النبي (ص) الصلاة الواجبة وإن كان سهوا ، وإخباره بالكذب في قوله : « كل ذلك لم يكن » على ما رواه المخالفون ، وعدم الاعادة مع التكلم فيها عمدا ، وفي بعضها مع الاستدبار على ما رووه ، ولمخالفتها لموثقة ابن بكير أن النبي (ص) لم يسجد للسهو قط ، وحملها على أنه (ص) إنما فعل ذلك عمدا بأمره تعالى لتعليم الامة أو لبعض المصالح بعيد ، وكذا حمل الكلام على الاشارة أبعد.
قال العلامة رحمهالله في المنتهى والتذكرة بعد إيراد الخبر الذى رواه المخالفون عن أبي هريرة في قضية ذي اليدين : والجواب أن هذا الحديث مردود من وجوه :
أحدها : أنه يتضمن إثبات السهو في حق النبي (ص) وهو محال عقلا ، وقد بينا في كتب الكلام.
الثاني : أن أبا هريرة أسلم بعد أن مات ذواليدين بسنتين ، فإن ذا اليدين قتل يوم بدر وذلك بعد الهجرة بسنتين ، وأسلم أبوهريرة بعد الهجرة بسبع سنين ، واعترض على هذا بأن الذي قتل يوم بدر ذو الشمالين واسمه عبد بن (١) عمرو بن نضلة الخزاعي ،
___________________
(١) في المصدر : عبد بن عمر ، وفى أسد الغابة ٣ : ٣٣٠ : عبد عمرو بن نضلة الخزاعى ، وقال في ج ٢ : ١٤١ : ذو الشمالين واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان بن سليم بن مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر ، ثم قال بعد كلام في نسبه : وأسلم وشهد بدرا وقتل بها قتله اسامة الجشمى ، وهذا ليس بذى اليدين الذى ذكر في السهو في الصلاة ، لان ذا الشمالين قتل ببدر ، والسهو في الصلاة شهده أبوهريرة ، وكان اسلامه بعد بدر بسنين.
وقال في ص ١٤٥ : ذواليدين واسمه الخرباق من بنى سليم ، كان ينزل بذى جشب من ناحية المدينة ، وليس هوذا الشمالين ، ذو الشمالين خزاعى حليف لبنى زهرة قتل يوم بدر وذو اليدين عاش حتى روى عنه المتأخرون من التابعين ، وشهده أبوهريرة لما سها رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة : فقال ذواليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت؟ وأبوهريرة أسلم عام خيبر بعد بدر بأعوام ، فهذا يبين لك أن ذا اليدين الذى راجع النبى صلىاللهعليهوآله في الصلاة يومئذ ليس بذى الشمالين ، وكان الزهرى على علمه بالمغازى يقول : انه ذو الشمالين المقتول ببدر ، وأن قصة ذو الشمالين كانت قبل بدر إه.