وكان غرضه (ص) منه التلطف وإدخالهم في الاسلام ، ولعله (ص)كان يقول : هؤلاء الفقراء لا يفوتهم بسبب هذه أمرهم في الدنيا وفي الدين ، وهؤلاء الكفار فإنهم يفوتهم الدين والاسلام ، وكان ترجيح هذا الجانب أولى ، فأقصى ما يقال : إن هذا الاجتهاد وقع خطأ إلا أن الخطاء في الاجتهاد مغفور.
وأما قوله ثانيا : إن طردهم يوجب كونه (ص) من الظالمين فجوابه أن الظلم عبارة عن وضع الشئ في غير موضعه ، والمعني أن اولئك الفقراء كانوا يستحقون التعظيم من الرسول (ص) ، فإذا طردهم عن ذلك المجلس فكان ذلك ظلما إلا أنه من باب ترك الاولى والافضل ، لا من باب ترك الواجبات ، وكذا الجواب عن سائر الوجوه ، فإنا نحمل كل هذه الوجوه على ترك الافضل والاكمل والاولى والاحرى انتهى كلامه (١).
وأقول : جملة القول في تلك الآية أنها لا تدل على وقوع الطرد عنه (ص) ، ولعله صلىاللهعليهوآله بعد ما ذكروا ذلك انتظر الوحي فنهاه الله تعالى عن ذلك ، والاخبار الدالة على ذلك غير ثابتة فلا يحكم بها مع معارضة الادلة العقلية والنقلية الدالة على عصمته (ص) ، وقد تقدم بعضها في باب عصمة الانبياء (ع) ، ولو سلم أنه وقع منه ما ذكروه فلعله كان مأذونا في إيقاع كل ما يراه موجبا لهداية الخلق وترغيبهم في الاسلام ، ولما أظهروا أنهم يسلمون عند وقوع المناوبة فعله (ص) رغبة في إسلامهم ، ولما علم الله أنهم لا يسلمون بذلك وإنما غرضهم في ذلك الاضرار بالمسلمين نهاه الله تعالى عن ذلك ، فصار بعد النهي حراما ، وإنما بين تعالى أنه لو ارتكب ذلك بعد النهي يكون من الظالمين لا قبله ، وإنما أكد ذلك لقطع إطماع الكفار عن مثل ذلك ، ولبيان الاعتناء بشأن فقراء المؤمنين ، وأما قول نوح عليهالسلام : « ما أنا بطارد المؤمنين » فلعل المراد الطرد بالكلية ، أو على غير جهة المصلحة ، ومن غير وعد لاسلام الكافرين معلقا عليه ، أو يقال : إنه (ع) لعله نهاء الله عن ذلك ، ولما لم ينه النبي (ص) بعد كان يجوز له ذلك ، وأما قوله تعالى : « فبهداهم اقتده » فليس المراد الاقتداء في جميع الامور لاختلاف الشرائع ، بل المراد الاقتداء بهم في الامور التي
___________________
(١) مفاتيح الغيب ٤ : ٧١ و ٧٢.