لما تلا هذه السورة في ناد غاص بأهله (١) وكان أكثر الحاضرين من قريش المشركين ، فانتهى إلى قوله تعالى : « أفرأيتم اللات والعزى » وعلم من قرب من مكانه من قريش أنه سيورد بعدها ما يقدح فيهن قال كالمعارض (٢) له والراد عليه : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترجى : فظن كثير من حضر (٣) أن ذلك من قوله (ص) ، واشتبه عليه (٤) الامر ، لانهم كانوا يلفظون (٥) عند قراءته (ص) ويكثر كلامهم وضجاجهم طلبا لتغليطه وإخفاء قراءته ، ويمكن أن يكون هذا أيضا في الصلاة لانهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند الكعبة ، ويسمعون قراءته ويلغون فيها ، وقيل ايضا : إنه (ص) كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات ، وأتي بكلام على سبيل الحجاج لهم ، فلما تلا : « أفرأيتم اللات والعزى * ومنات الثالثة الاخرى » قال (ص) : تلك الغرانيق العلى ومنها الشفاعة ترتجى؟ على سبيل الانكار عليهم ، وأن الامر بخلاف ما ظنوه من ذلك وليس يمتنع أن يكون هذا في الصلاة ، لان الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحا ، وإنما نسخ من بعد ، وقيل : إن المراد بالغرانيق الملائكة وقد جاء مثل هذا في بعض الحديث فتوهم المشركون أنه يريد آلهتهم ، وقيل : إن ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة ، تلاه الرسول (ص) ، فلما ظن المشركون ، أن المراد به آلهتهم نسخت تلاوته ، وكل هذا يطابق ما ذكرناه من تأويل قوله تعالى : « إذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته » لان بغرور الشيطان ووسوسته اضيف إلى تلاوته (ص) ما لم يرده بها ، وكل هذا واضح بحمد الله (٦) انتهى.
وقال القاضي عياض في الشفاء بعد توهين الحديث والقدح في سنده بوجوه شتى :
___________________
(١) غص المكان بهم : امتلا وضاق عليهم.
(٢) في المصدر : وعلم من قرب مكانه منه من قريش أنه سيورد بعدها ما يسوؤهم به فيهن ، قال كالمعارض.
(٣) في المصدر : كثير ممن حضر.
(٤) في المصدر : واشتبه عليهم.
(٥) يلغطون خ ل وهو الموجود في المصدر.
(٦) تنزيه الانبياء : ١٠٧ ـ ١٠٩.