قال : نزلت هذه الآية على النبي صلىاللهعليهوآله وأنا عنده ، قال : مررت عليه وهو بفناء بابه فجلست إليه ، فبينا هو يحدثني إذ رأيت بصره شاخصا إلى السماء حتى رأيت طرفه قد انقطع ، ثم رأيته خفضه حتى وضعه عن يمينه ، ثم ولاني ركبته وجعل ينفض برأسه كأنه الهم شيئا فقال : ثم رأيته أيضا رفع طرفة إلى السماء ، ثم خفضه عن شماله ثم أقبل إلي محمر الوجه يفيض عرقا (١) ، فقلت : يا رسول الله ما رأيتك فعلت الذي فعلت اليوم!؟ ما حالك قال : ولقد رأيته؟ قلت : نعم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ذاك جبرئيل لم يكن لي همة غيره ، ثم تلا عليه الآيتين ، قال عثمان : فقمت من عند رسول الله (ص) معجبا بالذي رأيت ، فأتيت أبا طالب ـ رضياللهعنه ـ فقرأتهما عليه فعجب أبوطالب ، وقال : يا آل غالب اتبعوه. ترشدوا وتفحلوا ، فوالله ما يدعو إلا إلى المكارم الاخلاق ، لئن كان صادقا أو كاذبا (٢) ما يدعو إلا إلى الخير.
قال السيد : ورأيت في غير هذا التفسير أن هذا العبد الصالح قال : كان أول إسلامي
__________________
(١) ظاهر الحديث ينافى مامر من أن تلك الحالة كانت عند مخاطبة الله عزوجل اياه بلا ترجمان وواسطة ، وأما جبرئيل فكان لم يدخل عليه حتى يستأذنه وكان يقعد بين يديه قعدة العبد ، ولعله يحمل تلك الحالة بالغشية فقط أو يحمل هذا الحديث بابتداء النبوة ونزول الوحى ، وأما بعده فيقال بمضمون ما تقدم من الاخبار ، أو وقعت زيادة في الحديث. إذ الطبرسى رواه في مجمع البيان وألفاظه يغاير ذلك ، قال : وجاءت الرواية أن عثمان بن مظعون قال أسلمت استحياء من رسول الله صلى الله عليه وآله لكثرة ما كان يعرض على الاسلام ، ولم يقر الاسلام في قلبى ، فكنت ذات يوم عنده حال تأمله فشخص بصره نحو السماء كانه يستفهم شيئا ، فلما سرى عنه سألته عن حاله ، فقال نعم بينا أنا احدثك اذ رأيت جبرئيل في الهواء فأتانى بهذه الاية : « إن الله يأمر بالعدل والاحسان » وقرأها على إلى آخرها ، فقر الاسلام في قلبى : وأتيت عمه أباطالب فأخبرته فقال يا آل قريش اتبعوا محمدا ترشدوا ، فانه لا يأمركم الا بمكارم الاخلاق ، وأتيت الوليد بن المغيرة وقرأت عليه هذه الاية فقال : ان كان محمد قاله فنعم ماقال ، وان قال ربه فنعم ماقال : قال فأنزل الله : « أفرأيت الذى تولى وأعطى قليلا وأكدى » يعنى قوله فنعم ما قال ، ومعنى قوله : « واكدى » انه لم يقم على ما قاله وقطعه.
(٢) ذلك مبالغة يريد أن دعوته صلىاللهعليهوآله لا تكون لكم الا الخير والرشاد ، يقال نحو ذلك فيمن قطع على صدقه وجزم بسداده.