السابع أن من الناس من يقول : إن الحيوان إنما يبصر المبصرات بخروج الشعاع من البصر واتصالها بالمبصر ، فعلى قول هؤلاء انتقل شعاع العين من أبصارنا إلى زحل (١) في تلك اللحظة اللطيفة ، وذلك يدل على أن الحركة الواقعة على هذا الحد من السرعة من الممكنات ، لا من الممتنعات.
المقدمة الثانية : في بيان أن هذه الحركة لما كانت ممكنة الوجود في نفسها وجب أن لا يكون حصولها في جسد محمد صلىاللهعليهوآله ، لانا قد بينا أن الاجسام متماثلة في تمام ماهيتها ، فلما صح حصول مثل هذه الحركة في حق بعض الاجسام وجب إمكان حصولها في سائر الاجسام ، فيلزم من مجموع هذه المقدمات أن القول بثبوت هذا المعراج أمر ممكن الوجود في نفسه ، أقصى ما في الباب أنه يبقى التعجب إلا أن هذا التعجب غير مخصوص بهذا المقام ، بل هو حاصل في جميع المعجزات ، فانقلاب العصا ثعبانا ، يبتلع سبعين ألف حبل من الحبال والعصي ثم تعود في الحال عصا صغيرة كما كانت أمر عجيب ، وكذا سائر المعجزات.
وأما المقام الثاني : وهو وقوع المعراج فقد قال أهل التحقيق : الذي يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد وجسده من مكة إلى المسجد الاقصى القرآن والخبر ، أما القرآن فهو هذه الآية (٢) ، وتقرير الدليل أن العبد اسم للجسد والروح ، فيجب أن يكون الاسراء حاصلا بجميع الجسد والروح ، ويؤيده قوله تعالى : « أرأيت الذي ينهى * عبدا إذاصلى» (٣) ، ولا شك أن المراد ههنا مجموع الروح والجسد ، وقال : أيضا في سورة الجن « وإنه لما قام عبدالله (٤) » والمراد مجموع الروح والجسد ، فكذاههنا ، وأما الخبر فهو الحديث المروي في الصحاح وهو مشهور ، وهو يدل على الذهاب من مكة إلى بيت المقدس ، ثم منه إلى السماوات انتهى ملخص كلامه (٥).
__________________
(١) في المصدر : رجل.
(٢) والايات التى أوردناها قبل ذلك.
(٣) العلق : ٩ و ١٠.
(٤) الاية : ١٩.
(٥) مفاتيح الغيب ٥ : ٣٦٥ و ٣٦٦.