وقد مر تفسير الآية الثانية في باب عصمته صلىاللهعليهوآله.
قوله تعالى : « علمه شديد القوى » قال البيضاوي : أي ملك شديد قواه ، وهو جبرئيل عليهالسلام «وذومرة» حصافة في عقله ورأيه «فاستوى» فاستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها ، وقيل : استولى بقوته على ما جعل له من الامر « وهو » أي جبرئيل « بالافق الاعلى » افق السماء « ثم دنا » من النبى « فتدلى » فتعلق به ، وهو تمثيل لعروجه بالرسول صلىاللهعليهوآله ، وقيل : ثم تدلى من الافق الاعلى فدنا من الرسول ، فيكون إشعارا بأنه عرج به غير منفصل عن محله ، وتقريرا لشدة قوته ، فإن التدلي استرسال مع تعلق « فكان » جبرئيل من محمد (ص) « قاب قوسين » مقدارهما « أو أدنى » على تقدير كم ، كقوله : أو يزيدون (١) والمقصود تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما أوحى إليه بنفي البعد الملبس « فأوحى » جبرئيل « إلى عبده » أي عبدالله وإضماره قبل الذكر لكونه معلوما « ما أوحى » جبرئيل وفيه تفخيم للوحي به أو الله إليه ، وقيل الضمائر كلها لله تعالى وهوالمعني بشديد القوى ، كما في قوله : « هو الرزاق ذو القوة المتين (٢) » ودنوه منه برفع مكانته ، وتدليه : جذبه بشراشره إلى جناب القدس « ما كذب الفؤاد ما رأى » أي ببصره من صورة جبرئيل ، أو الله ، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له ، فإن الامور القدسية تدرك أولا بالقلب ، ثم ينتقل منه إلى البصر ، أو ماقال فؤاده لما رآه : لم أعرفك ، ولو قال ذلك كان كاذبا ، لانه عرفه بقلبه كما رآه ببصره ، وقيل : ما رآه بقلبه ، والمعنى لم يكن تخيلا كاذبا ، ويدل عليه أنه سئل صلىاللهعليهوآله هل رأيت ربك؟ فقال : رأيته بفؤادي « أفتمارونه على مايرى » أفتجادلونه عليه ، من المراء وهو المجادلة «ولقد رآه نزلة اخرى» مرة اخرى ، فعلة من النزول ، واقيمت مقام المرة ونصبت نصبها إشعارا بأن الرؤية في هذه المرة كانت أيضا بنزول ودنو ، والكلام في المرئي والدنو ما سبق ، وقيل : تقديره ولقد رآه نازلا نزلة اخرى ، ونصبها على المصدر ، والمراد به نفي الريبة عن
__________________
(١) الصافات ١٤٧.
(٢) الذاريات : ٥٨.