بعيدا ، ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ، والذي صدق قوله ونجز(١) وعده لا خلف لذلك فإنه يقول : « ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد(٢) » فاتقوا الله في عاجل أمره(٣) وآجله ، في السر والعلانية ، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ، ويعظم له أجرا ، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما ، وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه(٤) ، وإن تقوى الله تبيض الوجوه ، وترضي الرب ، وترفع الدرجة ، خذوا بحظكم ، ولا تفرطوا في جنب الله ، فقد علمكم الله كتابه ، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين ، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم ، و عادوا أعداءه ، وجاهدوا في الله(٥) حق جهاده ، وهو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة ، ولا جول(٦) ولا قوة إلا بالله ، فأكثروا ذكر الله ، (٧) واعملوا لما بعد الموت فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما يبنه وبين الناس ، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه ، و يملك من الناس ولا يملكون منه ، الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(٨).
فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة (٩) انتهى.
____________________
(١) نجز ونجز الحاجة : قضاها. نجز بالوعد : عجله. وفى تاريخ الطبرى : انجز.
(٢) ق : ٢٩.
(٣) في المصدر وفى تاريخ الطبرى : أمركم.
(٤) في تاريخ الطبرى : تقوى في المواضع. وكذا الافعال الاتية بعد كلها بالتذكير.
(٥) في المصدر : في سبيل الله.
(٦) خلا التارخ عن قوله : ولا حول.
(٧) في نسخة بعد ذلك : واعلموا انه خير من الدنيا وما فيها.
(٨) في المصدر. الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. ومثله تاريخ الطبرى الا انه خلا عن كلمة : العلى.
(٩) مجمع البيان ١٠ : ٢٨٦ و ٢٨٧. أقول : ذكر ابن هشام والمقريزى أول خطبته صلى الله عليه وسلم في السيرة وامتاع الاسماع والمذكور فيهما يخالف ذلك ، وهى هكذا قالا : وكانت أول