منهم وجدتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه ، فبقوا على ذلك ثلاث سنين حتى بلغ القوم الجهد الشديد حتى سمعوا أصوات صبيانهم يتضاغون ـ أي يصيحون من الجوع من وراء الشعب ـ وكان المشركون يكرهون ما فيه بنو هاشم من البلاء حتى كره عامة قريش ما أصاب بني هاشم ، وأظهروا كراهيتهم لصحيفتهم القاطعة الظالمة حتى أراد رجال أن يبرؤوا منها ، وكان أبوطالب يخاف أن يغتالوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ليلا أو سرا وكان النبي صلىاللهعليهوآله إذا أخذ مضجعه أو رقد جعله أبوطالب بينه وبين بنيه خشية أن يقتلوه ، ويصبح قريش وقد سمعوا أصوات صبيان بني هاشم من الليل يتضاغون من الجوع ، فيجلسون عند الكعبة فيسأل بعضهم بعضا فيقول الرجل لاصحابه : كيف بات أهلك البارحة؟ فيقولون : بخير ، فيقول : لكن إخوانكم هؤلاء الذين في الشعب باتت صبيانهم يتضاغون من الجوع ، فمنهم من يعجبه ما يلقى محمد ورهطه ، ومنهم من يكره ذلك ، فأتى(١) من قريش على ذلك من أمرهم في بني هاشم سنتين أو ثلاثا حتى جهد القوم جهدا شديدا لا يصل إليهم شئ إلا سرا ومستخفى به ممن أراد صلتهم من قريش ، حتى روي أن حكيم بن حزام خرج يوما ومعه إنسان يحمل طعاما إلى عمته خديجة بنت خويلد وهي تحت رسول الله صلىاللهعليهوآله في الشعب ، إذ لقيه أبوجهل فقال : تذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله لا تبرح أنت ولا طعامك حتى أفضحك عند قريش ، فقال له أبوالبختري بن هشام بن الحارث : تمنعه أن يرسل إلى عمته بطعام كان لها عنده؟ فأبى أبوجهل أن يدعه ، فقام إليه أبوالبختري بساق بعير فشجه ووطئه وطئا شديدا ، وحمزة بن عبدالمطلب قريب يرى ذلك ، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله وأصحابه فيشمتوا بهم ، وحتى روي أن هشام بن عمرو بن ربيعة أدخل على بني هاشم في ليلة ثلاثة أحمال طعام ، فعلمت بذلك قريش فمشوا إليه فكلموه في ذلك ، فقال : إني غير عائد لشئ يخالفكم ، ثم عاد الثانية فأدخل حملا أو حملين ليلا ، وصادفته قريش وهموا به ، فقال أبوسفيان : دعوه رجل وصل رحمه
____________________
(١) في المصدر : فأقامت قريش.