هو بمكة من غير مخاطرة ، بآيات وعنايات باهرة ، كما أنه كان قادرا أن ينصر عيسى ابن مريم عليهالسلام على اليهود بالآيات والعساكر والجنود ، فلم تقتض الحكمة الالهية إلا رفعه إلى السماوات العلية ، ولم يكن له مصلحة في مقامه في الدنيا بالكلية فليكن العبد راضيا بما يراه(١) مولاه له من التدبير في القليل والكثير ، ولا يكن الله جل جلاله دون وكيل الانسان في أموره الذي يرضى بتدبيره ، ولا دون جاريته أو زوجته في داره التي يثق إليها في تدبير اموره.
ومنها : التنبيه على أن الذي صحبه إلى الغار ما تضمنه(٢) وصف صحبته في الاخبار ما كان يصلح في تلك الحادثات إلا للهرب ، ولا في أوقات الذل والخوف من الاخطار إلا للتي يصلح لها مثل النساء الضعيفات والغلمان الذين يصيحون في الطرقات عند الهرب من المخافات وما كان يصلح للمقام بعده ليدفع عنه خطر الاعداء ، ولا أن يكون معه بسلاح ولا قوة لمنع شئ من البلاء
ومنها : أن الطبري في تاريخه وأحمد بن حنبل رويا في كتابيهما أن هذا الرجل المشار إليه ما كان عارفا بتوجه النبي (ص) وأنه جاء إلى مولانا علي عليهالسلام فسأله عنه فأخبره أنه توجه ، فتبعه بعد توجهه حتى ظفر به ، وتأذى رسول الله صلىاللهعليهوآله بالخوف منه لما تبعه ، وعثر بحجر فلق قدمه ، فقال الطبري في تاريخه(٣) ما هذا لفظه : فخرج أبوبكر مسرعا ولحق نبي الله صلىاللهعليهوآله في الطريق ، فسمع جرس(٤) أبي بكر في ظلمة الليل فحسبه من المشركين ، فأسرع رسول الله صلىاللهعليهوآله يمشي فقطع(٥) قبال نعله ففلق إبهامه حجر وكثر دمها فأسرع المشي ، فخاف أبوبكر أن يشق على
____________________
(١) في نسخة : بما يريد.
(٢) في هامش المصدر استظهر أن الصحيح : تصمن.
(٣) تاريخ الطبرى ٢ : ١٠٠.
(٤) في نسخة : جرى أبى بكر. ولعله انسب.
(٥) في التاريخ : فانقطع قبال نعله. وفيه : وأسرع السعى. أقول : قبال النعل : زمامها