أن لهذا الرجل فضيلة في الموافقة في الهرب وقد استأذنه مرارا أن يهرب ، ويترك النبي صلىاللهعليهوآله في يد الاعداء الذين يتهددونه بالعطب؟ إن اعتقاد فضيلة لابي بكر في هذا الذل من أعجب العجب.
ومنها : التكدير(١) على النبي صلىاللهعليهوآله بجزع صاحبه في الغار ، وقد كان يكفي النبي صلىاللهعليهوآله تعلق خاطره المقدس بالسلامة من الكفار ، فزاده جزع صاحبه شغلا في خاطره ، ولو لم يصحبه لاستراح من كدر جزعه ، واشتغال سرائره.
ومنها : أنه لو كان حزنه شفقة على النبي صلىاللهعليهوآله أو على ذهاب الاسلام ما كان قد نهى عنه ، وفيه كشف أن حزنه كان مخالفا لما يراد منه.
ومنها : أن النبي صلىاللهعليهوآله ما بقي يأمن إن لم يكن اوحي إليه أنه لا خوف عليه أن يبلغ صاحبه من الجزع الذي ظهر عليه إلى أن يخرج من الغار ويخبر به الطالبين له من الاشرار ، فصار معه كالمشغول بحفظ نفسه من ذل صاحبه وضعفه ، زيادة على ما كان مشغولا بحفظ نفسه.
ومن أسرار هذه المهاجرة أن مولانا عليا عليهالسلام بات على فراش المخاطرة وجاد بمهجته لمالك الدنيا والآخرة ولرسوله صلىاللهعليهوآله فاتح أبواب النعم الباطنة و الظاهرة ، ولولا ذلك المبيت واعتقاد الاعداء أن النائم على الفراش هو سيد الانبياء صلىاللهعليهوآله لما كانوا صبروا عن طلبه إلى النهار حتى وصل إلى الغار ، فكانت سلامة صاحب الرسالة من قبل أهل الضلالة صادرة عن تدبير الله جل جلاله بمبيت مولانا علي عليهالسلام في مكانه ، وآية باهرة لمولانا علي عليهالسلام شاهدة بتعظيم شأنه ، و أنزل الله جل جلاله في مقدس قرآنه : « ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد(٢) » فأخبر أن لمولانا علي عليهالسلام كانت بيعا لنفسه الشريفة ، (٣) وطلبا لرضاء الله جل جلاله دون كل مراد ، وقد ذكرنا في الطرائف من روى هذا الحديث من المخالف ، ومباهات الله جل جلاله تلك الليلة بجبرئيل وميكائيل في بيع
____________________
(١) في نسخة من المصدر : منها التكسر.
(٢) تقدم الايعاز إلى موضع الاية.
(٣) في المصدر : فأخبر أن سريرة مولانا على عليهالسلام كانت بيعا لنفسه الشريفة.