فقلت : احتمليني فديتك ، فقال رسول الله (ص) : « قد شكرالله تعالى سعيه ، وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب ».
قال أبان : وحدثني بشير النبال عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : لما كان فتح مكة قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « عند من المفتاح؟ » قالوا : عند أم شبية. فدعا شبية فقال : « اذهب إلى أمك فقل لها : ترسل بالمفتاح » فقالت : قل له : قتلت مقاتلنا وتريد أن تأخذ منا مكرمتنا؟ فقال : لترسلن به أولا قتلنك ، فوضعته في يد الغلام ، فأخذه ودعا عمر فقال له : « هذا تأويل رؤياي من قبل ».
ثم قام صلىاللهعليهوآله ففتحه وستره ، فمن يومئذ يستر ، ثم دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فيه المفتاح ، وقال : رده إلى أمك ، قال : ودخل صناديد قريش الكعبة و هم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم ، فأنى رسول الله صلىاللهعليهوآله البيت وأخذ بعضادتي(١) الباب ثم قال : « لا إله إلا الله أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الاحزاب وحده » ثم قال : « ما تظنون؟ وما أنتم قائلون؟ » فقال سهيل بن عمرو : نقول خيرا و نظن خيرا ، أخ كريم وابن عم ، قال : « فإني أقول لكم كما قال أحي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، ألا إن كل دم ومال و مأثرة كان في الجاهلية فإنه موضوع تحت قدمي إلا سدانة(٢) الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ، ألا إن مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لاحد كان قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فهي محرمة إلى أن تقوم الساعة ، لا يختلى خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد » ثم قال : « ألا لبئس جيران النبي كنتم ، لقد كذبتم وطردتم ، وأخرجتم وفللتم ، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني ، فاذهبوا فأنتم الطلقاء » فخرج القوم كأنما أنشروا من القبور ، ودخلوا في الاسلام.
قال : ودخل رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة بغير إحرام ، وعليهم السلاح. ودخل
____________________
(١) عضادتا الباب : خشبتاه من جانبيه.
(٢) سدانة الكعبة : خدمتها وحجابتها.