واعتلجت فيه حزازات الغموم ، فقال وهو يجرض بريقه ، ويميد به شجوه ، وقد انحلّت عقود دموعه ، وتناثرت لآلئ جفونه :
السلام عليك يا رسول الله ، وعلى ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورقّ عنها تجلّدي ، ألا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك موضع تعزٍ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، وأمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، أو يحتار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ، وستنبؤك ابنتك بتظافر اُمّتك على هضمها ، فأحفّها السؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد ، ولم يخلق منك الذكر. (١)
فـلأي الأمـور تـدفـن سـرّاً |
|
بضعة المصطفى ويعفى ثراها |
فمضت وهي أعظم الناس شجواً |
|
في فم الدهر غصّة من جواها |
وكأنّي بأمير المؤمنين عليهالسلام واقفاً على قبرها وهو شجي بغصصه ، لا يملك دمعه ولا قلبه ، وكأنّي به ينشد :
لكل اجتماع من خليلين فُرقة |
|
وكلّ الذي دون الممات قليل |
وإنّ افتقادي واحداً بعد واحدٍ |
|
دلـيل على أن لا يدوم خليل (٢) |
__________________
١ ـ قال رحمهالله : هذا الكلام من الثابت عنه عليهالسلام المأثور في كتاب نهج البلاغة.
٢ ـ العقد الفريد ٣ : ١٩٨.