من أصبح الناس وجهاً ، وأحسنهم خلقاً ، فاستأذن أباه في القتال فأذن له ، ثم نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه بالدموع وبكى ، ثم قال : اللهم اشهد فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه فصاح وقال : يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، فتقدّم نحو القوم وقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً ، ثم رجع إلى أبيه وقال : يا أبه العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل اتقوّى بها على الأعداء.
فبكى الحسين عليهالسلام وقال : واغوثاه ، يا بني من أين آتي لك بالماء؟ قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمدا صلىاللهعليهوآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً.
فرجع إلى موقف النزال وقاتل أعظم قتال ، فرماه منقذ بن مرّة العبدي (١) بسهم فصرعه فنادى :
يا أبتاه عليك منّي السلام ، هذا جدّي يقرؤك السلام ويقول لك : عجّل
__________________
( قرّة ) بن عروة ( عمرو ) بن مسعود بن مغيث ( معبد ) الثقفي ، واُمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، كان له من العمر سبع وعشرون سنة ، وردت رواية أنّه كان متزوجاً من اُمّ ولد ، هو أوّل من قتل من بني هاشم ، طعنه مرّة بن منقذ النعمان العبدي وهو يحوم حول أبيه ويدافع عنه ويقيه ، وانهال أصحاب الحسين على مرّة فقطّعوه بأسيافهم ؛ قيل : مولده في خلافة عثمان ، وسمّاه المؤرخون الأكبر تمييزاً له عن أخيه زين العابدين علي الأصغر.
انظر : مقاتل الطالبيين : ٨٠ ـ ٨١ ، الطبقات الكبرى ١٥ : ١٥٦ ، ورجال الشيخ : ٧٦ ، البداية والنهاية ٨ : ١٨٥ ، الأعلام ٤ : ٢٢٧.
١ ـ كذا في الأصل وبعض المصادر ، ولكن في تاريخ الطبري ٦ : ٦٢٥ ، والكامل ٤ : ٣٠ ، والأخبار الطوال ٢٥٤ ورد اسمه هكذا : مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي ثمّ الليثي.