أشهد أنّك جاهدت في الله حقّ جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سنن نبيّه صلىاللهعليهوآله ، حتى دعاك الله إلى جواره ، فقبضك إليه باختياره ، لك كريم ثوابه ، وألزم أعداءك الحجّة [ في قتلهم ايّاك ] مع ما لك من الحجج البالغة على جميـع خلقه. (١)
وعن أنس بن مالك ـ كما في العقد الفريد وغيره ـ قال : لمّا فرغنا من دفن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم [ أقبلت عليّ فاطمة فقالت : يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم التراب؟ ثمّ بكت ونادت : يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه مِن ربّه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه. (٢)
ولو أردنا أن نستوفي ما كان من هذا القبيل لخرجنا عن الغرض المقصود ، وحاصله أن تأبين الموتى من أهل الآثار النافعة بنشر مناقبهم ، وذكر مصائبهم ، ممّا حكم بحسنه العقل والنقل ، واستمرت عليه سيرة السلف والخلف ، وأوجبته قواعد المدنية ، واقتضته اصول الترقي في المعارف ، إذ به تحفظ الآثار النافعة ، وبالتنافس فيه تعرج الخطباء إلى أوج البلاغة ، والقول بتحريمه يستلزم تحريم قراءة التاريخ وعلم الرجال ، بل يستوجب المنع من تلاوة الكتاب والسنّة لاشتمالها على جملة من مناقب الأنبياء ومصائبهم ، ومن يرضى لنفسه هذا الحمق ، أو يختار لها هذا العمى ، نعوذ بالله من سفه الجاهلين.
__________________
١ ـ العقد الفريد ٢ : ٧١.
٢ ـ العقد الفريد ٣ : ٢٣ ، وانظر مسند أحمد ٣ : ١٩٧.