ومن المعلوم ـ أيضا ـ أنّ تعدّد التكليف مستلزم لتعدّد المكلف به ، إذ بدونه لا يعقل تعدّده إلاّ على وجه التأكيد ، وهو ليس تعدّدا حقيقة ، بل في صورة التعدّد ، ولازم تعدّد المكلّف به ـ وهو الواجب ـ تعدّد امتثاله ـ أيضا ـ ما لم يثبت من الشارع الاكتفاء بالواحد (١).
فإذا ظهر أنّ لازم الظهور المذكور بالأخرة تعدّد الامتثال ما لم يثبت الاكتفاء بواحد فيما لم يقم صارف عنه ، وثبوت الاكتفاء بالواحد ليس من التداخل في شيء ، بل إنّما هو عدم إرادة امتثال بعض من الواجبات ، فعدم التداخل صادق على تقديره مع تعدّد المسبّبات ، إذ التداخل إنّما هو وقوع إيجاد واحد من الفعل امتثالا عن الجميع ، فيكون مقتضى أصالة عدم ذلك الصارف عند الشكّ فيه عدم تداخل تلك الأسباب في الخارج ، فإنّه لو كان عدم الصارف معلوما لكان عدم التداخل معه ثابتا بواسطة البرهان العقلي المتقدّم ، فإذا فرض الشكّ فيه فيحرز عدمه الّذي هو بعض مقدّمات البرهان المذكور بأصالة عدمه ، فيكون عدم التداخل حينئذ بمقتضى الأصل لاستتباع النتيجة لأخسّ المقدّمات ، فإذا ثبت أنّ الأصل على تقدير ظهور أدلّة السببية في إطلاقها بالنسبة إلى صورة اجتماع الأسباب إنّما هو التداخل فعلى المدّعي خلافه إبداء الصارف عنه ، فإنّه هو المعوّل عند الشكّ في الصارف فلا يجوز العدول عنه إلى خلافه إلاّ لشاهد قويّ من العقل أو النقل.
وأوجه ما قيل أو يمكن أن يقال في مقام إبدائه وجوه :
الأوّل أنّه لا يعقل كون الأسباب الشرعية من العلل الحقيقية ، فإنّها إما أن تلاحظ بالنسبة إلى الطلب ـ كما هو الظاهر من أدلّته ـ أو بالنسبة إلى الفعل المطلوب ، لا سبيل إلى الالتزام بشيء منهما ، إذ العلل الحقيقية منحصرة في أربع :
__________________
(١) في النسخة المستنسخة : اكتفاء الواحد ..