تقديرها إنما هي بين (١) مقتضاهما وآثارهما ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من ملاحظة أنّ بين مقتضاهما تناف ، حتّى يختصّ إحداهما بمقتضاها ، أو لا ، فيترتب على كليهما مقتضاهما ، فنقول : إنّ مقتضاهما في مورد البحث إنّما هو الطلب ، فإنّ مقتضى المفسدة إنّما هو طلب الترك ، ومقتضى المصلحة هو طلب الفعل ، وهما أعني الأمر والنهي إنّما يتنافيان (٢) ويمنع اجتماعهما في مورد واحد إذا كان موضوع كلّ منهما في عرض موضوع الآخر وفي مرتبته ، فهناك إنّما هو مورد كسر مقتضى أحدهما لمقتضى الآخر ، كما في الكذب النافع ، وأمّا إذا كان موضوع أحدهما في طول موضوع الآخر فلا ، ولو منع فرض اتّحاد الموضوعين في الخارج ، وما نحن فيه من قبيل القسم الثاني ، لأنّ مقتضى مصلحة سلوك الطريق هو الأمر بسلوك الطريق والعمل بمؤدّاه على أنه ( هو ) (٣) الواقع ، لا على أنه حكم آخر وراء الواقع ومن المعلوم أنّ الأخذ بمؤدّاه والعمل به كذلك إنّما هو بعد الفراغ عن الحكم الواقعيّ الّذي هو مقتضى المفسدة المفروضة.
وبعبارة أخرى : إنّ الكلام في نصب الشارع للطريق الظنّي طريقا إلى أحكامه الصادرة منه ، وفي أمره بتشخيص تلك الأحكام منه بعد فراغه عن جعل تلك الأحكام وتوجيه الخطابات بحسب ما يقتضيها من المصالح والمفاسد ، فعالم أمره بسلوك الطريق مغاير لعالم الخطابات الواقعيّة ، ومتأخّر عنه بحسب الجعل ، بل موضوعه لا يتحقّق إلاّ بفرض صدور تلك الخطابات قبله ، لأنّ موضوعه هو العمل بالظنّ بعنوان كونه طريقا إلى واقع مجعول مشترك بين العالم والجاهل ، فيتوقّف تحقّقه على صدور حكم مشترك كذلك قبله.
والحاصل : أنّ الكسر والانكسار بين المصلحة والمفسدة المجتمعين في مورد
__________________
(١) أثبتنا كلمة ( بين ) من نسخة « ب ».
(٢) في النسختين : ينافيان.
(٣) هو : ساقطة من « أ ».