والتعبير الجامع بينه وبين القسم الأوّل من القسمين المتقدّمين أن يقال : ما كان محدثا لحالة مبغوضة في المكلّف يكون رفعها غاية لطلب الشارع ما يرفعه ، فإنّ هذا أعمّ من توقّف عبادة على رفعها ، والكلام في هذا القسم هو ما مرّ في القسم الأوّل ، فلا نعيد.
وأمّا تصوير كونها عللا غائيّة للفعل (١) المأمور به بواسطة فهو مبنيّ على مذهب العدليّة من تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد الكامنتين في الأفعال قبل ورودها ، فيقال حينئذ : إذا أمر الشارع بفعل ـ بعد حدوث أمر وتحقّقه ـ فلا بدّ حينئذ من ارتباط واقعا بين وجود ذلك الأمر وبين الفعل المأمور به قبل أمر الشارع بحيث يكون الأمر كاشفا عنه ، بأن يكون ثابتا في الواقع قبل الأمر على وجه لو اطّلع عليه العقل قبله لحمل المكلّف على الفعل لذلك ، وهو لا يكون إلاّ بكون الأمر المذكور محدثا لمصلحة بعد حدوث الفعل (٢) المأمور به بحيث لو فرض اطّلاع العقل عليها (٣) لحمل المكلّف على الفعل تحصيلا لها ، فيكون أمر الشارع بذلك الفعل كاشفا عن تلك المصلحة ، وانكشافها ـ بعد العلم بها من أمر الشارع ـ يكون هو علّة غائيّة للفعل داعية للفاعل نحو الفعل ، فيكون الأسباب الشرعيّة عللا للعلّة الغائيّة للفعل المأمور به بمقتضى هذا البيان.
وأمّا تصوير كونها عللا فاعليّة بمقتضى جعل الشارع فقد عرفت ، فلا داعي لإعادة الكلام فيه.
إذا عرفت ذلك فيقال : إنّه إذا أمكن حمل الأسباب الشرعيّة على واحد من الوجوه الثلاثة المذكورة ـ بعد قيام القرينة على عدم كونها أسبابا بلا واسطة ،
__________________
(١) كذا ، والصحيح : كونها عللا للعلل الغائيّة للفعل ..
(٢) في النسخة المستنسخة : بعد حدوث في الفعل ..
(٣) في النسخة المستنسخة : اطّلاع العقل لها ..