ومن المعلوم أنّ العلم من مقولة الكيفيّات فيمكن فيه ما يمكن في غيره ، بل المتأمّل في نفسه يجد فيها وقوعه ، فحينئذ لا يثبت من الأسباب المتعدّدة للعلم أزيد من معلوم واحد وهو الطلب ، فيكفي الامتثال مرّة.
وثانيهما : أنّ القائل ـ بكون تلك الأسباب معرّفات ـ الظاهر أنّه لا يريد كون الجزاء في أدلّتها هو العلم كما هو مبنى ما ذكره ـ قدّس سرّه ـ بأن يكون المراد من قوله : « إن نمت فتوضأ » (١) أنّه إن نمت فاعلم أنّه يجب عليك الوضوء ، بل الظاهر أنّه أراد أنّ القضايا الشرطية في تلك الأدلّة إنّما استعملت في مجرّد التلازم بين الشرط والجزاء ، وأنّ الجزاء هو المذكور في القضيّة.
وبعبارة أخرى : إن سيقت لمجرّد بيان ربط اللزوم بين الشرط ونفس الجزاء واستفيد سببيّة الشرط للعلم بالجزاء استلزاما ، إذ كلّ من المتلازمين كاشف عن الآخر وموجب للعلم به ، فحينئذ لا يقتضي تعدّد الأسباب المذكورة تعدّد الطلب المجعول جزاء في كلّ من أدلّة تلك الأسباب ، إذ يصير كلّ منها لازما للطلب لا مؤثّرا فيه ، ومن المعلوم أنّ تعدّد اللوازم لا يقتضي بتعدّد الملزوم ، لإمكان أن يكون لشيء واحد ألف لازم ، فتدبّر.
أقول : ما ذكرت سابقا ـ من الإشكال في كون أقربيّة الاحتمالات الثلاثة المتقدّمة إلى مدلول أدوات الشرط من احتمال المعرّفيّة موجبة لحملها على أحد تلك الاحتمالات بناء على عدم إفادتها للسببيّة المطلقة بالنسبة إلى صورة اجتماع الأسباب وضعا مع إفادتها لأجل السببيّة من باب الوضع ـ يندفع بذلك البيان ، إذ قد عرفت أنّ مبنى حمل الأسباب على المعرّفات على حمل الأدلّة على مجرّد بيان ربط اللزوم بين الشرط والجزاء ، ومن المعلوم أنّه إلغاء
__________________
(١) هذا مضمون أحاديث منها الحديث ١ من الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥.