ألا ترى أنه إذا أوقد سراج في مسجد داج ، فانكشف به أنّ فيه كلبا ، يصدق أن يقال حينئذ : إنّ هذا انكشف كونه كلبا بالسراج ، وكلّ ما كان كذلك يجب إخراجه عن المسجد ، مع أنه مستهجن جدّاً ، نظرا إلى أنّ أحكام الكلب إنّما هي ثابتة لذات الكلب ، لا لما انكشف كونه كلبا بالسراج.
هذا بخلاف الأمارات المعتبرة شرعا ، فإنّها بالنظر إلى [ إثبات ] الأحكام الواقعية لمتعلّقاتها وإن لم يكن لها دخل أصلا ، حيث إنّها ثابتة [ لذات ] الأفعال من غير مدخلية طريق إليها ، لكنها بالنظر إلى الحكم الظاهري كالتغيّر بالنسبة إلى الحدوث من حيث كونها مأخوذة في موضوعه ، فيكون إثبات الأحكام الظاهرية لمتعلّقاتها متوقّفا على توسيطها لذلك.
وبعبارة أوضح : إنّ الحرمة الواقعية للخمر ـ مثلا ـ إنّما هي ثابتة لذات الخمر الواقعية ، فلا تثبت لمشكوك الخمرية لعدم إحراز صدق الخمر عليه ، والحكم على ذلك المشكوك بالحرمة ظاهرا لا يكون إلاّ بعد قيام أمارة على كونه خمرا ، فيتوقّف الحكم بها عليه في الظاهر على توسيطها ، بأن يقال : إنّ هذا ما قامت البيّنة على كونه خمرا ، وكلّ ما كان كذلك فهو حرام في مرحلة الظاهر ، فهذا حرام في مرحلة الظاهر.
فصار حاصل الفرق بين القطع الّذي هو طريق إلى أحكام متعلّقة وبين الأمارات : أنّه لما لم يكن مأخوذا في موضوع أحكام متعلّقة ـ لا واقعا ، لفرض أنّ الأحكام الواقعية إنّما [ هي ] لذات متعلّقه ، ولا ظاهرا ، لفرض كونه .. (١). ـ غير مأمور بالعمل على مقتضاه شرعا ، فلا يقع وسطا لإثبات أحكام متعلّقة مطلقا ، فلا يطلق عليه الحجّة بوجه.
هذا بخلاف الأمارات المعتبرة لكونها مأخوذة في الأحكام الظاهرية ،
__________________
(١) النسخة ( أ ) غير مقروءة والمتن على طبق نسخة ( ب ) ، والمعنى مستقيم.