وأمّا الثاني : فلإباء احتجاج المانعين بلزوم اجتماع الضدّين ، أو النقيضين عنه فما زعمه المحقّق القميّ (١) رحمه الله من كون المسألة كلامية بمكان من الضعف ، فتعيّن أنّه بالاعتبار الثالث.
والظاهر أنّ المسألة على هذا التقدير من المبادئ الأحكامية ، لا الأصوليّة ، فإنّ الظاهر اختصاص الأصولية بما يكون موضوع البحث فيه أحد الأدلّة المعروفة للفقه ، التي لا واسطة بينها وبين استنباط نفس الحكم الفرعي ، فإنّ الظاهر من تعريفهم لعلم أصول الفقه ـ بأنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية ـ أنّ المراد بالقواعد في ذلك الحدّ يكون قواعد وطرقا لاستنباط الحكم الفرعي بلا واسطة استنباط آخر.
ويقوّي ذلك ـ بل يعيّنه ـ أنّ جماعة من الأعلام أوردوا المسألة في باب الأحكام.
وملخّص الكلام في محلّ النزاع في المقام أنّ البحث : إنّما هو في جواز اجتماع الوجوب والتحريم عقلا من غير مدخلية لخصوصية الأمر والنهي أصلا ، ومن غير تعميم النزاع إلى سائر الأحكام أيضا ، ولعلّنا نتعرّض في آخر المبحث ـ إن شاء الله ـ لتحقيق الحال بالنسبة إلى سائر الأحكام وبالنسبة إلى جهة فهم العرف تخصيص أحد من الأمر والنهي بالنسبة إلى مورد الاجتماع وعدمه ، فانتظر (٢).
__________________
(١) الموجود من عبارة المحقق القمّي (ره) ـ في قوانينه : ١٤٠ ـ في هذا المقام يخالف المذكور هنا حيث جاء فيه قوله : ( وهذه المسألة وإن كانت من المسائل الكلامية ، ولكنّها لما كانت يتفرّع عليها كثير من المسائل الفرعيّة ذكرها الأصوليون في كتبهم ، فنحن نقتفي آثارهم في ذلك ).
(٢) والنزاع من جهة فهم التخصيص وعدمه إنّما ينفع بعد البناء على جواز الاجتماع عقلا ، وأمّا مع البناء على امتناعه فلا بدّ من التخصيص ، فالباحثون عن تلك الجهة لا بدّ أن يكونوا هم الذين جوّزوا الاجتماع عقلا. لمحرّره عفا الله عنه.