لهيبتهه ، ولانرفع عيننا لعظمته ، (١) فإن تبسم فمن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم (٢) أهل الدين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، لا ييأس الفقير (٣) من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، فكأني الآن أسمعه وهو يقول : يا دنيا دنية (٤) أبي تعرضت؟ أم إلي تشوقت؟ هيهات هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك ، قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيها ، (٥) فعمرك قصير وخطرك يسير وأملك حقير ، آه آه من قلة الزاة وبعد السفر ، ووحشة الطريق وعظم المورد فو كفت (٦) دموع معاوية على لحيته فنشفها بكمه ، (٧) واختنق القوم بالبكاء ثم قال : كان والله أبوالحسن كذلك ، فكيف صبرك عنه يا ضرار؟ قال : صبر من ذبح واحدها (٨) على صدرها ، فهي لا ترقى عبرتها ولا تسكن حسرتها ، (٩) ثم قام وخرج وهو باك ، فقال معاوية ، أما إنكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يثني علي هذا الثناء فقال بعض من حضر : (١٠) الصاحب على قدر صاحبه (١١).
توضيح : قوله : بعيد المدى ، المدى : الغاية ، وهو كناية عن علو همته في
____________________
(١) في المصدر : ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته.
(٢) في المصدر : يقرب.
(٣) في المصدر : ولا ييأس الضعيف.
(٤) في المصدر : يادنيا يا دنيا.
(٥) بته وبتته : قطعه. وفي المصدر : قد طلقتك ثلاثا لارجعة لى فيك.
(٦) وكف الدمع ونحوه : سال. وفي المصدر : فسالت.
(٧) نشف الماء : أخذه من مكانه بخرقة ونحوها فما بقى منه شئ.
(٨) في المصدر : ولدها.
(٩) في المصدر : حرارتها.
(١٠) في المصدر : بعض من كان حاضرا.
(١١) الارشاد للديلمي ٢ : ١٣ و ١٤.