فلما رأيته بادرت إليه فقلت : ما وراك؟ فقال : إني صرت إلي الموضع ورميت بالرقعة ، فحمل علي عدد منها فهالني أمرها ، ولم يكن لي قوة ، فجلست فرمحتني أحدها في وجهي ، فقلت : اللهم اكفنيها ، وكلها تشد علي وتريد قتلي ، فانصرفت عني ، فسقطت فجاء أخي فحملني ولست أعقل ، فلم أزل أتعالج حتى صلحت ، وهذا الاثر في وجهي ، فقلت له : صر إلي عمر وأعلمه ، فصار إليه وعنده نفر ، فأخبره بما كان فزبره (١) ، فقال له : كذبت لم تذهب بكتابي ، فحلف الرجل لقد فعل ، فأخرجه عنه.
قال ابن عباس : فمضيت به إلي أمير المؤمنين عليهالسلام فتبسم ثم قال : ألم أقل لك؟ ثم أقبل على الرجل فقال له : إذا انصرفت إلي الموضع الذي هي فيه فقل : « اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة وأهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين ، اللهم ذلل لي صعوبتها واكفني شرها ، فإنك الكافي المعافي والغالب القاهر » قال : فانصرف الرجل راجعا ، فلما كان من قابل قدم الجل ومعه جملة من المال قد حملها من أثمانها إلى أمير المؤمنين عليهالسلام وصار إليه وأنا معه ، فقال عليهالسلام : تخبرني أو اخبرك؟ فقال الرجل : يا أمير المؤمنين بل تخبرني ، قال : كأني بك وقد صرت إليها فجاءتك ولاذت بك خاضعة ذليلة ، فأخذت بنواصيها واحدة واحدة ، فقال الرجل : صدقت يا أمير المؤمنين كأنك كنت معي هكذا كان فتفضل بقبول ما جئتك به ، فقال : امض راشدا بارك الله لك ، وبلغ الخبر عمر فغمه ذلك ، وانصرف الرجل ، وكان يحج كل سنة وقد أنمى الله ماله فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : كل من استصعب عليه شئ من مال أو أهل أو ولد أو أمر فليبتهل إلى الله بهذا الدعاء ، فإنه يكفي مما يخاف الله إن شاء الله (٢).
قب : أبوالعزيز كادش العكبري بإسناده مثله ، وفي آخره : فبورك الرجل في ماله حتى ضاق عليه رحاب بلده (٣).
____________________
(١) أى انتهره.
(٢) الخرائج والجرائح : ٨٤ و ٨٥ وفيه : ما يخاف.
(٣) مناقب آل أبى طالب ١ : ٤٥٥ والرحاب جمع الرحبة : الارض الواسعة المنبات المحلال.