في نجف الكوفة فقال لمن حوله : من يرى ما أرى؟ فقالوا : وما ترى يا عين الله الناظرة في عباده؟ فقال : أرى بعيرا يحمل جنازة ورجلا يسوقه ورجلا يقوده ، وسيأتيكم بعد ثلاث فلما كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه ورجلان معه ، فسلما على الجماعة ، فقال لهما أمير المؤمنين عليهالسلام بعد أن حياهم : من أنتم ومن أين أقبلتم و من هذه الجنازة ولماذا قدمتم؟ فقالوا : نحن من اليمن ، وأما الميت فأبونا وإنه عند الموت أوصى إلينا فقال : إذا غسلتموني وكفنتموني وصليتم علي فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق فادفنوني هناك بنجف الكوفة ، فقال لهما أمير المؤمنين عليهالسلام : هل سألتماه لماذا؟ فقالا : أجل قد سألناه فقال : يدفن هناك رجل لو شفع يوم القيامة لاهل الموقف (١) لشفع ، فقام أمير المؤمنين عليهالسلام وقال : صدق ، أنا والله ذلك الرجل (٢).
٦٦ ـ قال ابن أبي الحديد في موضع آخر : قال شيخنا أبوعثمان : حدثني ثمامة قال : سمعت جعفر بن يحيى ـ وكان من أبلغ الناس وأفصحهم للقول والكتابة بضم اللفظة إلى اختها ـ : ألم تسمعوا قول شاعر لشاعر وقد تفاخرا : أنا أشعر منك لاني أقول البيت وأخاه ، وأنت تقول البيت وابن عمه! ثم قال : وناهيك حسنا بقول علي بن أبي طالب عليهالسلام :
« هل من مناص أو خلاص؟ أو معاذ أو ملاذ؟ أو قرار أو محار؟ »
قال أبوعثمان : وكان جعفر يتعجب أيضا بقول علي عليهالسلام : « أين من جد واجتهد ، وجمع واحتشد (٣) وبني فشيد ، وفرش فمهد ، وزخرف فنجد (٤)؟ » قال : ألا ترى أن كل لفظة منها آخذة بعنق قرينها جاذبة إياها إلى نفسها دالة عليها بذاتها؟ قال أبوعثمان : فكان جعفر يسميه فصيح قريش. واعلم أننا لا يتخالجنا
____________________
(١) في المصدر : لو شفع في يوم العرض في أهل الموقف.
(٢) مشارق الانوار : ١٤٥.
(٣) الاحتشاد : الاجتهاد وبذل الوسع.
(٤) أى زينه.