أعطاه فرسا من جياد خيله ، فخرج وسار سيرا حثيثا حتى وصل إلى بعض أودية اليمن ، فأظلم عليه الليل ، فبات في بعضها ، فلما مضى من الليل نصفه وإذا هو بزعقة عظيمة من صدر الوادي ، ودخان يفور ونار مضرمة ، فانزعج لذلك وتغير لونه ، و نظر إلى صدر الوادي وإذا بالدخان قذ أقبل كالجبل العظيم ، وهو واقع عليه ، و النار تخرج من جوانبه ، فخر مغشيا عليه ، فلما أفاق وإذا بهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول :
اسمع وع القول يا ابن ملجم |
|
إنك في أمر مهول معظم |
تضمر قتل الفارس المكرم |
|
أكرم من طاف ولبى وأحرم |
ذاك علي ذو التقاء الاقدم |
|
فارجع إلى الله لكيلا تندم |
فلما سمع توهم أنه من طوارق الجن ، وإذا بالهاتف يقول :
يا شقي ابن الشقي أما ما أضمرت من قتل الزاهد العابد العادل الراكع الساجد إمام الهدى وعلم التقى والعروة الوثقى فإنا علمنا بما تريد أن تفعله بأمير ـ المؤمنين ، ونحن من الجن الذين أسلمنا على يديه ، ونحن نازلون بهذا الوادي ، فإنا لا ندعك تبيت فيه ، فإنك ميشوم على نفسك ، ثم جعلوا يرمونه بقطع الجنادل فصعد فوق شاهق فبات بقية ليله ، فلما أصبح سار ليلا ونهارا حتى وصل اليمن ، وأقام عندهم شهرين وقلبه على حر الجمر من أجل قطام ، ثم إنه أخذ الذي أصابه من المال والمتاع والاثاث والجواهر وخرج ، فبينا هو في بعض الطريق إذ خرجت علبه حرامية فسايرهم وسايروه ، فلما قربوا من الكوفة حاربوه وأخذوا جميع ما كان معه ، ونجا بنفسه وفرسه وقليل من الذهب على وسطه وما كان تحته ، فهرب على وجهه حتى كاد أن يهلك عطشا ، وأقبل سائرا في الفلاة مهموما جائعا عطشانا ، فلاح له شبح فقصده ، فإذا بيوت من أبيات الحرب ، فقصد منها بيتا فنزل عندهم ، واستسقاهم شربة ماء فسقوه ، وطلب لبنا فأتوه به ، فنام ساعة ، فلما استيقظ أتاه رجلان وقدما إليه طعاما فأكل وأكلا معه ، وجعلا يسألانه عن الطريق فأخبرهما ، ثم قالا له : ممن الرجل؟ قال : من ( بني ) مراد ، قال : أين تقصد؟ قال : الكوفة ،