والشفقة من شيمتنا لا من شيمته ، بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله ، واسقه مما تشرب ، ولا تقيد له قدما ، ولا تغل له يدا ، فإن أنامت فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة وتحرقه بالنار ، ولا تمثل بالرجل فإني سمعت جدك رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ، وإن أنا عشت فأنا أولى بالعفو عنه ، وأنا أعلم بما أفعل به ، فإن عفوت فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلا عفوا وكرما.
قال مخنف بن حنيف : إني والله ليلة تسع عشرة في الجامع في رجال نصلي قريبا من السدة التي يدخل منها أميرالمؤمنين عليهالسلام فبينا نحن نصلي إذ دخل أميرالمؤمنين عليهالسلام من السدة وهو ينادي : الصلاة ، ثم صعد المئذنة فأذن ، ثم نزل فعبر على قوم نيام في المسجد فناداهم : الصلاة ، ثم قصد المحراب ، فما أدري دخل في الصلاة أم لا إذ سمعت قائلا يقول : الحكم لله لا لك يا علي ، قال : فسمعت عند ذلك أمير ـ المؤمنين عليهالسلام يقول : لا يفوتنكم الرجل ، قال : فشد الناس عليه وأنا معهم ، و إذا هو وردان بن مجالد ، وأما ابن ملجم لعنه الله فإنه هرب من ساعته ودخل الكوفة ورأينا أميرالمؤمنين عليهالسلام مجروحا في رأسه.
قال محمد بن الحنفية : ثم إن أبي عليهالسلام قال : احملوني إلى موضع مصلاي في منزلي ، قال : فحملناه إليه وهو مدنف والناس حوله ، وهم في أمر عظيم باكين محزونين ، قد أشرفوا على الهلاك من شدة البكاء والنحيب ، ثم التفت إليه الحسن عليهالسلام وهو يبكي. فقال له:يا أبتاه من لنا بعدك؟لا كيومك إلا يوم رسول الله صلىاللهعليهوآله من أجلك تعلمت البكاء ، يعز والله علي أن أراك هكذا ، فناداه عليهالسلام فقال : يا حسين يا أبا عبدالله ادن مني ، فدنا منه وقد قرحت أجفان عينيه من البكاء ، فمسح الدموع من عينيه ووضع يده على قلبه وقال له : يا بني ربط الله قلبك بالصبر ، وأجزل لك ولاخوتك عظيم الاجر ، فسكن روعتك واهدأ من بكائك ، فإن الله قد آجرك