أجل أبيها.
فلم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني إلى دار فيها قصور في كل قصر من البيوت ما لا عين رأت وفيها من السندس والاستبرق على أسرة (١) وعليها ألحاف من ألوان الحرير والديباج ، وآنية الذهب والفضة ، وفيها موائد عليها من ألوان الطعام ، وفي تلك الجنان نهر مطرد أشد بياضا من اللبن وأطيب رائحة من المسك الاذفر ، فقلت : لمن هذه الدار؟ وما هذا النهر؟ فقالوا : هذه الدار الفردوس الاعلى الذي ليس بعده جنة وهي دار أبيك ومن معه من النبيين ومن أحب الله ، قلت : فما هذا النهر؟ قالوا : هذا الكوثر الذي وعده أن يعطيه إياه فقلت : فأين أبي قالوا : الساعة يدخل عليك.
فبينا أنا كذلك إذ برزت لى قصور هي أشد بياضا وأنور من تلك وفرش هي أحسن من تلك الفرش وإذا بفرش مرتفعة على أسرة وإذا أبي صلىاللهعليهوآله جالس على تلك الفرس ، ومعه جماعة ، فلما رآني أخذني فضمني وقبل ما بين عيني وقال : مرحبا بابنتي! وأخذني وأقعدني في حجره ثم قال لي : يا حبيبتي أما ترين ما أعد الله لك وما تقدمين عليه؟ فأراني قصورا مشرقات فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل ، وقال : هذه مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهما فطيبي نفسا فانك قادمة علي إلى أيام ، قالت : فطار قلبي واشتد شوقي وانتبهت من رقدتي مرعوبة.
قال أبوعبدالله : قال أميرالمؤمنين عليهالسلام : فلما انتبهت من مرقدها صاحت بي فأتيتها فقلت لها : ما تشتكين؟ فخبرتني بخبر الرؤيا ثم أخذت علي عهدالله ورسوله أنها إذا توفت لا اعلم أحدا إلا ام سلمة زوج رسول الله صلىاللهعليهوآله وأم أيمن وفضة ومن الرجال ابنيها وعبدالله بن عباس وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر والمقداد وأبوذر وحذيفة ، وقالت : إني أحللتك من أن تراني بعد موتي فكن مع النسوة فيمن
____________________
(١) الاسرة : جمع سرير وهو التخت ويغلب على تخت الملك ، لان من جلس عليه من أهل الرفعة يكون مسرورا. وألحاف جمع لحاف ـ على غير قياس ـ والمراد هنا غطاء التخت.