إنا أرسلناك شاهدا » (١) وقال تعالى : « ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود » (٢).
فسألت عن الاول فقالوا : ابن عباس ، وسألت عن الثاني فقالوا : ابن عمر وسألت عن الثالث فقالوا : الحسن بن علي بن أبيطالب وكان قول الحسن أحسن.
ونقل أنه عليهالسلام اغتسل وخرج من داره في حلة فاخرة ، وبزة طاهرة ، و محاسن سافرة ، وقسمات ظاهرة ، ونفخات ناشرة ، ووجهة يشرق حسنا ، وشكله قدكمل صورة ومعنى ، والاقبال يلوح من أعطافه ، ونضرة النعيم تعرف في أطرافه وقاضي القدر قد حكم أن السعادة من أوصافه ، ثم ركب بغلة فارهة غير قطوف ، وسار مكتنفا من حاشيته وغاشيته بصفوف ، فلو شاهده عبد مناف لارغم بمفاخرته به معاطس انوف ، وعده وآباءه وجده في إحراز خصل الفخار يوم التفاخر بالوف.
فعرض له في طريقه من محاويج اليهود هم في هدم قد أنهكته العلة ، وارتكبته الذلة ، وأهلكته القلة ، وجلدة يستر عظامه وضعفه يقيد أقدامه ، وضره قد ملك زمامه ، وسوء حاله قد حبب إليه حمامه ، وشمس الظهيرة تشوي شواه ، وأخمصه يصافح ثرى ممشاه ، وعذاب عرعريه قد عراه ، وطول طواه قد أضعف بطنه وطواه وهو حامل جر مملوء ماء على مطاه ، وحاله تعطف عليه القلوب القاسية عند مرآه.
فاستوقف الحسن عليهالسلام وقال : يا ابن رسول الله : أنصفني ، فقال عليهالسلام : في أي شئ؟ فقال : جدك يقول : « الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر » وأنت مؤمن وأنا كافر فماأرى الدنيا إلا جنة تتنعم بها ، وتستلذ بها ، وما أراها إلا سجنا لي قد أهلكني ضرها ، وأتلفني فقرها.
فلما سمع الحسن عليهالسلام كلامه أشرق عليه نور التأييد ، واستخرج الجواب بفهمه من خزانة علمه ، وأوضح لليهودي خطاء ظنه وخطل زعمه ، وقال : ياشيخ لو نظرت إلى ما أعد الله لي وللمؤمنين في الدار الاخرة مما لاعين رأت ، ولا
____________________
(١) الاحزاب : ٤٥.
(٢) هود : ١٠٤.