فالتفت يمينا وشمالا وإذا هو بحوض عظيم الطول والعرض ، قال : قلت في نفسي : هذا هو الكوثر فإذا فيه ماء أبرد من الثلج وأحلى من العذب ، وإذا عند الحوض رجلان وامرأة أنوارهم تشرق على الخلائق ، ومع ذلك لبسهم السواد وهم باكون محزونون فقلت : من هؤلاء؟ فقيل لي : هذا محمد المصطفى ، وهذا الامام علي المرتضى ، وهذه الطاهرة فاطمة الزهراء فقلت : ما لي أراهم لا بسين السواد وباكين ومحزونين؟ فقيل لي : أليس هذا يوم عاشورا ، يوم مقتل الحسين؟ فهم محزونون لاجل ذلك.
___________________
فمن كان يبكى على الحسين أو يرثيه أو يزوره في ذاك الظرف لم يكن فعله ذلك حسرة وعزاء وتسلية فقط ، بل محاربة لاعداء الدين وجهادا في سبيل الله مع ما يقاسونه من الجهد والبلاء والتشريد والتنكيل فحق على الله ان يثيب المجاهد في سبيله ويرزقه الجنة بغير حساب.
ذلك بأنهم يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ، ولا يطأون موطئا بغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا الاكتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع أجر المحسنين.
ففى مثل ذاك الزمان كما رأينا قبل عشرين سنة في ايران لم يكن ليبكى على الحسين وينشد فيه الرثاء الا كل مؤمن وفى ، أهل التقوى واليقين ، لما في ذلك من العذاب والتنكيل ، لا كل فاسق وشارب حتى يستشكل في الاحاديث.
بل كان هؤلاء الفساق في ذاك الظرف مستظهرين بسلطان بنى أمية ، منحازين إلى الفئة الباغية يتجسسون خلال الديار ليأخذوا على أيدى الشيعة ، ويمنعوهم من احياء ذكر الحسين ، كما اقتحموا دار أبى عبدالله الصداق بعد ما سمعوا صراخ الويل والبكاء من داره عليهالسلام.
وأما في زمان لامحاربة بين أهل البيت وأعدائهم كزماننا هذا فلا يصدق على ذكر الحسين والبكاء عليه عنوان الجهاد ، كما أنه لا يلقى ذاكر الحسين الا الذكر الجميل والثناء الحسن. بل يأخذ بذلك اجرة ، والباكى على الحسين يشرف ويكرم ويقال له قدمت خير مقدم ويقدم اليه ما يشرب ويتفكه.