غار غافل حتى يشد عليه فيقتله.
أقول : وقال عبدالحميد بن أبي الحديد : لما سار معاوية قاصدا إلى العراق وبلغ جسر منبج نادى المنادي الصلاة جامعة ، فلما اجتمعوا خرج الحسن عليهالسلام فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها ثم قال لاهل الجهاد من المؤمنين : « اصبروا إن الله مع الصابرين » (١) فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ماتكرهون ، إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك ، فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة ، حتى ننظر وتنظرون ، ونرى وترون ، قال : وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له.
قال : فسكتوا فما تكلم منهم أحد ، ولا أجابه بحرف ، فلما رأى ذلك عدي ابن حاتم قام فقال : أنا ابن حاتم ، سبحان الله ما أقبح هذا المقام ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم؟ أين خطباء مصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فاذا جد الجد فرواغون كالثعالب أما تخافون مقت الله ولاعنتها وعارها.
ثم استقبل الحسن عليهالسلام بوجهه فقال : أصاب الله بك المراشد ، وجنبك المكاره ، ووفقك لما يحمد ورده وصدره ، وقد سمعنا مقالتك ، وانتهينا إلى أمرك وسمعنا لك وأطعناك فيما قلت ورأيت ، وهذا وجهي إلى معسكرنا ، فمن أحب أن يوافي فليواف.
ثم مضى لوجهه ، فخرج من المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه ، فكان عدي أول الناس عسكرا.
ثم قام قيس بن عبادة الانصاري ومعقل بن قيس الرياحي وزياد بن حصفة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم ، وكلموا الحسن عليهالسلام بمثل كلام عدي ابن حاتم في الاجابة والقبول ، فقال لهم الحسن عليهالسلام : صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء ، والقبول ، والمودة الصحيحة ، فجزاكم الله خيرا
____________________
(١) الانفال : ٤٦.