يأسروننا فإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه وهن يلذن بعضهن ببعض وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة وهن يصحن وا جداه وا أبتاه وا علياه وا قلة ناصراه وا حسناه أما من مجير يجيرنا أما من ذائد يذود عنا قالت فطار فؤادي وارتعدت فرائصي فجعلت أجيل بطرفي يمينا وشمالا على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني.
فبينا أنا على هذه الحالة وإذا به قد قصدني ففررت منهزمة وأنا أظن أني أسلم منه وإذا به قد تبعني فذهلت خشية منه وإذا بكعب الرمح بين كتفي فسقطت على وجهي فخرم أذني وأخذ قرطي ومقنعتي وترك الدماء تسيل على خدي ورأسي تصهره الشمس وولى راجعا إلى الخيم وأنا مغشي علي وإذا أنا بعمتي عندي تبكي وهي تقول قومي نمضي ما أعلم ما جرى على البنات وأخيك العليل فقمت وقلت يا عمتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظار فقالت يا بنتاه وعمتك مثلك فرأيت رأسها مكشوفة ومتنها قد أسود من الضرب فما رجعنا إلى الخيمة إلا وهي قد نهبت وما فيها وأخي علي بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا.
وقال المفيد رحمهالله : قال حميد بن مسلم : فانتهينا إلى علي بن الحسين عليهما السلام وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض ومع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له ألا نقتل هذا العليل فقلت سبحان الله أتقتل الصبيان إنما هذا صبي وإنه لما به فلم أزل حتى دفعتهم عنه وجاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه وبكين فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النساء ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهن ليستترن به فقال من أخذ من متاعهم شيئا فليرده فو الله ما رد أحد منهم شيئا فوكل بالفسطاط وبيوت النساء وعلي بن الحسين جماعة ممن كان معه وقال احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد ولا يساء إليهم(١).
__________________
(١) كتاب الإرشاد ص ٢٢٦ و ٢٢٧.