أجبته ، وإن لم أعلم قلت لا أدري ، وكان الصدق أولى بي ، فقال هشام : أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب بما استدل الغائب عن المصر الذي قتل فيه علي؟ وما كانت العلامة فيه للناس؟ وأخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة.
فقال له أبي : إنه لما كانت الليلة التي قتل فيها علي صلوات الله عليه لم يرفع عن وجه الارض حجر إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر.
وكذلك كانت الليلة التي فقد فيها هارون أخو موسى صلوات الله عليهما.
وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون.
وكذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم عليهماالسلام.
وكذلك الليلة التي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه.
فتربد وجه هشام وامتقع لونه ، وهم أن يبطش بأبي ، فقال له أبي : يا أميرالمؤمنين الواجب على الناس الطاعة لامامهم والصدق له بالنصيحة ، وإن الذي دعاني إلى ما أجبت به أميرالمؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطاعة فليحسن ظن أميرالمؤمنين ، فقال له هشام : أعطني عهد الله وميثاقه ألا ترفع هذا الحديث إلى أحد ما حييت ، فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه ، ثم قال هشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت ، فخرج أبي متوجها من الشام نحو الحجاز ، وأبرد هشام بريدا وكتب معه إلى جميع عماله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا لابي في شئ من مدينتهم ولا يبايعوه في أسواقهم ، ولا يأذنوا له في مخالطة أهل الشام حتى ينفذ إلى الحجاز ، فلما انتهي إلى مدينة مدين ومعه حشمه ، وأتاه بعضهم فأخبره أن زادهم قد نفد ، وأنهم قد منعوا من السوق ، وأن باب المدينة أغلق ، فقال أبي : فعلوها أئتوني بوضوء فاتي بماء فتوضأ ثم توكأ على غلام له ثم صعد الجبل حتى إذا صار في ثنية (١) استقبل القبلة فصلى ركعتين ، ثم قام و أشرف على المدينة ثم نادى بأعلا صوته وقال :
« وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا
____________________
(١) الثنية : العقبة أو طريقها ، أو الجبل ، أو الطريقة فيه أو اليه « القاموس ».