بشراب مع الغلام مغطى بمنديل ، فناولنيه الغلام ، وقال لي : اشربه فإنه قد أمرني أن لا أرجع حتى تشربه ، فتناولت فاذا رائحة المسك منه ، وإذا شراب طيب الطعم بارد ، فلما شربته قال لي الغلام : يقول لك إذا شربت فتعال ففكرت فيما قال لي ولا أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي ، فلما استقر الشراب في جوفي ، كأنما انشطت من عقال ، فأتيت بابه ، فاستأذنت عليه ، فصوت بي ، نصح الجسم ، ادخل فدخلت وأنا باك ، فسلمت وقبلت يده ورأسه ، فقال لي : وما يبكيك يا محمد؟ فقلت : جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك فقال لي : أما قلة المقدرة ، فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مؤدتنا وجعل البلاء إليهم سريعا ، وأما ما ذكرت من الغربة فلك بأبي عبدالله عليهالسلام اسوة بأرض ناء عنا بالفرات صلى الله عليه.
وأما ما ذكرت من بعد الشقة فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب ، وفي هذا الخلق منكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله ، وأما ما ذكرت من حبك قربنا والنظر إلينا وأنك لاتقدر على ذلك ، فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه (١).
١٩ ـ ما : المفيد ، عن الحسين بن محمد التمار ، عن أحمد بن عبدالله بن محمد ، عن أبي الفضل الربعي ، عن جميل المكي ، عن الاصمعي ، عن جابر بن عون قال : دخل أسماء بن خارجة الفزاري على عمر بن عبدالعزيز يوم بويع له فأنشأ يقول :
إن أولى الانام بالحق قدما |
|
هو أولى بأن يكون خليقا |
بالامر والنهي للاولى |
|
يأتي بغيره أن يكون يليقا |
من أبوه عبدالعزيز بن مروان |
|
ومن كان جده الفاروقا |
فقال له عمر : إن أمسكت عن هذا لكان أحب إلي (٢).
____________________
(١) الاختصاص ص ٥٢ وأخرجه الكشى في رجاله ص ١١٢ وابن شهر آشوب في المناقب ج ٣ ص ٣١٦.
(٢) أمالى الشيخ الطوسى ص ٨٠.