رسول الله ، فتصل دعوته إلى كل بر وفاجر ، وعالم وجاهل ، ومقر ومنكر ، في شرق الارض وغربها ، ولو جاز أن يكون الحجة من الله على هذا الخلق في غير هذا الجنس لاتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لايجده ، ولو جاز أن يطلبه في أجناس هذا الخلق من العجم وغيرهم لكان من حيث أراد الله أن يكون صلاحا يكون فسادا ، ولا يجوز هذا في حكم الله تبارك وتعالى وعدله ، أن يفرض على الناس فريضة لا توجد.
فلما لم يجز ذلك لم يجز إلا أن يكون إلا في هذا الجنس لاتصاله بصاحب الملة والدعوة ، ولم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهي قريش ، ولما لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة والدعوة ، ولما كثر أهل هذا البيت ، وتشاجروا في الامامة لعلوها وشرفها ادعاها كل واحد منهم ، فلم يجز إلا أن يكون من صاحب الملة والدعوة إليه إشارة بعينه واسمه ونسبه لئلا يطمع فيها غيره.
وأما الاربع التي في نعت نفسه : أن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله وسننه ، وأحكامه ، حتى لايخفى عليه منها دقيق ولا جليل ، وأن يكون معصوما من الذنوب كلها ، وأن يكون أشجع الناس ، وأن يكون أسخى الناس ، قال : من أين قلت : إنه أعلم الناس؟ قال : لانه إن لم يكن عالما بجميع حدود الله وأحكامه وشرائعه وسننه ، لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود ، فمن وجب عليه القطع حده ، و من وجب عليه الحد قطعه ، فلا يقيم لله حدا على ما أمر به ، فيكون من حيث أراد الله صلاحا يقع فسادا.
قال : فمن أين قلت : إنه معصوم من الذنوب؟ قال : لانه إن لم يكن معصوما من الذنوب ، دخل في الخطاء فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ، ويكتم على حميمه وقريبه ، ولا يحتج الله عزوجل بمثل هذا على خلقه.
قال : فمن أين قلت : إنه أشجع الناس؟ قال : لانه فئة للمسلمين الذين