يرجعون إليه في الحروب وقال الله عزوجل « ومن لولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآء بغضب من الله » (١) فان لم يكن شجاعا فر فيبوء بغضب من الله ، فلا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله حجة لله على خلقه.
قال : فمن أين قلت : إنه أسخى الناس؟ قال : لانه خازن المسلمين ، فان لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها ، فكان خائنا ، ولا يجوز أن يحتج الله على خلقه بخائن ، فقال عند ذلك ضرار : فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟ فقال : صاحب العصر أمير المؤمنين وكان هارون الرشيد : قد سمع الكلام كله فقال عند ذلك : أعطانا والله من جراب النورة ، ويحك ياجعفر وكان جعفر بن يحيى جالسا معه في الستر من يعني بهذا؟ قال : يا أمير المؤمنين يعني موسى بن جعفر قال : ماعنى بها غير أهلها ، ثم عض على شفته ، وقال : مثل هذا حي ويبقى لي ملكي ساعة واحدة؟! فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف.
وعلم يحيى أن هشاما قد اتي فدخل الستر فقال : ويحك ياعباسي من هذا الرجل؟ فقال : يا أمير المؤمنين تكفى تكفى ، ثم خرج إلى هشام فغمزه ، فعلم هشام أنه قد اتى فقام يريهم أنه يبول أو يقضي حاجة ، فلبس نعليه وانسل ، ومر ببنيه وأمرهم بالتواري ، وهرب ، ومر من فوره نحو الكوفة ، ونزل على بشير النبال وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبدالله عليهالسلام فأخبره الخبر ، ثم اعتل علة شديدة فقال له بشير : آتيك بطبيب؟ قال لا : أنا ميت.
فلما حضره الموت قال لبشير : إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة ، واكتب رقعة وقل هذا هشام بن الحكم الذي طلبه أمير المؤمنين مات حتف أنفه ، وكان هارون قد بعث إلى إخوانه وأصحابه ، فأخذ الخلق به فلما أصبح أهل الكوفة رأوه ، وحضر القاضي ، وصاحب المعونة ، والعامل والمعدلون بالكوفة ، وكتب إلى الرشيد بذلك فقال : الحمد لله الذي كفانا أمره
____________________
(١) سورة الانفال الاية : ١٦.