ومن ذلك كلّه يظهر لك أنّ كون هذا الأصل مثبتاً لا يتوقّف على مدخلية السريان في التنجيس ، بل ولا على مدخلية انتقال الرطوبة ، بل يتوقّف على إثبات كون الملاقاة ملاقاة للرطوبة ، واستصحاب بقائها لا يثبت ملاقاتها ، من دون فرق في ذلك بين كون الرطوبة المستصحبة هي رطوبة النجس أو هي رطوبة الطاهر.
والحاصل : أنّه لا يعتبر السريان ولا الانتقال ولا قابلية الانتقال ، بل ليس المعتبر والمنجّس إلاّملاقاة الرطوبة ، واستصحاب بقائها لا يثبت أنّ ذلك التلاقي بين الجسمين قد اشتمل على ملاقاة أحدهما للرطوبة ، وإنّما لم نقل بالنجاسة إذا فرضنا أنّ عين النجاسة لا تقبل التلوّث بالرطوبة التي على العين الطاهرة ، كما لو فرضنا هناك دسومة مانعة من تلوّث الجسم الدسم النجس بالرطوبة التي على الطاهر ، وهكذا الحال فيما لو فرضنا عدم تلوّث الطاهر برطوبة الجسم النجس ، فإنّه لا ينجس لعدم تحقّق ملاقاة الرطوبة ، لا لأجل أنّ الملاقاة تحقّقت في الصورتين لكنّها فاقدة الانتقال الفعلي. نعم لابدّ من صدق الرطوبة على وجه تكون الملاقاة ملاقاة للرطوبة ، ليخرج ما يكون من قبيل النداوة ، على ما عرفت تفصيله في مبحث الطهارة في شرح الفروع المتعلّقة بقوله : فصل في كيفية التنجيس ، فراجع (١).
تنبيه : قد أُورد على القول بالأصل المثبت بالمعارضة. وأجاب الشيخ قدسسره (٢) عن ذلك بالحكومة ، وقد تعرّض لذلك شيخنا قدسسره فيما حرّرناه عنه بما حاصله : أنّه إن كان مناط دعوى صحّة الأُصول المثبتة هو كون مثل استصحاب الحياة مثبتاً للازمه وهو نبات اللحية ، وبعد ثبوت اللازم يترتّب عليه أثره وهو
__________________
(١) لعلّه قدسسره يريد بذلك أبحاثه الفقهية المخطوطة.
(٢) فرائد الأُصول ٣ : ٢٣٧.