ولكن يمكن أن يقال : إنّ الاباحة وإن كانت هي أحد الأحكام الخمسة ، وكانت الأحكام بأسرها متضادّة ، وقد حقّق في محلّه أنّ وجود أحد الضدّين لا يكون مقدّمة لعدم الآخر ، كما أنّ عدم أحدهما لا يكون مقدّمة لوجود الآخر ، من دون فرق في ذلك بين الضدّ الموجود والمعدوم.
لكنّا مع ذلك نقول : إنّ هذه الأضداد هي بمنزلة الأفعال الاختيارية للشارع ، وحينئذ يكون كلّ واحد منهما اختيارياً للشارع ، فعند إقدامه على جعل الحرمة مثلاً للشيء يكون قد اختار تحريمه ، وبعين اختياره لتحريمه يكون قد اختار عدم إباحته مثلاً ، إذ لو لم يكن عدم إباحته في قدرته واختياره لم يكن تحريمه باختياره.
والشاهد على ذلك : أنّك لا ترى في موارد استصحاب الوجوب مثلاً حاجة إلى ملاحظة احتمال الحرمة ، فإنّ استصحاب الوجوب فعلاً لو لم يكن نافياً لاحتمال الحرمة وحاكماً بعدمها ، لكان من اللازم في مورد احتمالهما مع الوجوب المستصحب من الرجوع في نفيها إلى الأصل ولو مثل البراءة ، وربما لم يكن الجاري في المسألة هو البراءة ، كما لو كانت الشبهة من الأُمور التي يكون الأصل فيها هو الاحتياط ، مثل ما لو كان الشخص واجب القتل لكونه مرتدّاً مثلاً ولكن عرض له ما يوجب الشكّ في بقاء ذلك الوجوب ، وحينئذ نشكّ في حرمته فيستصحب الوجوب ، ويكون المرجع هو أصالة الاحتياط ، هذا لا يكون ، إلاّ أن يقال : إنّ استصحاب أحد الضدّين كالوجوب مثلاً يكون دائماً مقروناً
__________________
وهما : ]
لقد كان القطا في أرض نجد |
|
قرير العين لا يدري الهياما |
تولّته البزاة فهيّمته |
|
ولو تُرك القطا لغفا وناما |