باستصحاب عدم ضدّه الآخر.
نعم ، في مورد التعارض بين استصحاب الوجوب واستصحاب الحرمة مثلاً يكون كلّ من الأصلين ـ مع كونه حاكماً بضدّ مجرى الآخر ـ حاكماً أيضاً بنفي مجرى الآخر ، هذا كلّه في الجعل الابتدائي لأحد الأضداد التي هي الأحكام الخمسة.
وأمّا في مقام جعل أحدها طارئاً على الآخر ، بأن يكون الشيء في حدّ نفسه واجباً مثلاً ولكن الشارع قد جعل حرمته لأجل بعض الطوارئ ، فهو وإن لم يصدر منه إلاّجعل الحرمة ، إلاّ أنّ نفس جعله للحرمة يكون رافعاً للوجوب ، كما تجده من نفسك فيما لو كان الجسم ملوّناً بالبياض مثلاً وأنت أقدمت على تسويده ، فإنّ نفس تسويدك له يكون رفعاً للبياض ، ويكون نفس ذلك التسويد الاختياري منك رافعاً اختيارياً للبياض ، وإن لم يكن في البين تقدّم رتبي من أحدهما على الآخر ، بل كان أحدهما في عرض الآخر.
وحينئذ نقول : إنّ الشارع في ضمن جعله للحرمة المعلّقة على الغليان يكون قد جعل رفع الحلّية ، لا بمعنى جعل الغليان رافعاً للحلّية ، ولا بمعنى جعل الحلّية محدودة بالغليان ، بل بمعنى أنّ جعله للحرمة عند الغليان يكون قد رفع الحلّية ، كما أنّه لو أورد الحرمة فعلاً على ما هو في حدّ نفسه حلال مباح ، فإنّ نفس إيراده الحرمة عليه يكون رفعاً اختيارياً للحلّية والاباحة.
وحينئذ يكون محصّل استصحاب الحرمة التعليقية لو صحّحناه هو أنّ هذا العصير الذي هو فعلاً مباح وإباحته غير محدودة شرعاً بالغليان تطرؤه الحرمة عند الغليان ، وليست حرمته الطارئة عليه عند الغليان إلاّفعلاً اختيارياً للشارع ، وبعين جعله لتلك الحرمة وإيراده لها على ذلك المباح يكون قد رفع تلك الحلّية