وأنهم أنبياء وأنهم رسل وأنهم ملائكة ، وأقروا فكرة التناسخ في الأرواح ، وقد أبطلوا البعث والقيامة والحساب ، وزعموا أن الدنيا هي المبدأ والمعاد لأن الروح تخرج من بدن لتدخل في بدن آخر غيره وهذا هو معنى القيامة فإن كانت خيراً فهي كذلك وإن كانت شراً فهي شر ، وهذه الأبدان هي محل السرور أو الحزن فهي أما منعمة وأما معذبة وتكون جانب إن حلها السرور وتكون النار أن حلها الحزن والعذاب. والأرواح الحسنة تحل في أبدان جميلة أنيسة منعمة والأرواح الشريرة تحل في ارداء الاجسام وأزذلها كالقدرة والخنازير والكلاب والعقارب والحيات فهي ـ الأبدان ـ أما منعمة إلى الأبد وأما معذبة إلى الأبد.
ثم قالوا أن النعيم أو العذاب ينصب على الأرواح دون الأبدان ، وتأولوا قوله تعالى : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) (١) إذ قالوا جميع الحيوانات ؛ السباع والطيور والدواب كانت أمماً وقد سبقت فيها كلمة الإنذار والتبليغ والنبوات وقامت عليهم الحجة وما صلح من تلك الأرواح السابقة قد فسدت بذنوبها وعصيانها وكفرت بخالها فإنها لا محال قد حلت بعد وفاتها في أبشع صورة كريهة ، إذ أن روحه قد سكنت في بدن خبيث ذات صور قبيحة ، وعلى هذا تأولوا قوله تعالى : ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمني وأما إذا ما ابتلاه فقدره عليه رزقه فيقول ربي أهانني ) (٢).
ومن الفرق الغالية التي قالت بالتناسخ والحلول ، تلك التي تنتسب إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهي فرقة تنتمي في الاصل إلى المختارية ، ادعت هذه الفرق الإمامة في عبد الله بن معاوية ، وزعمت أنهم يتعارفون في كل بدن يحلون فيه ومنشأ هذا التعارف عندهم منذ تواجدهم في زمن نوح عليهالسلام عندما كانت أرواحهم في تلك الأبدان التي دخلت السفينة ثم صارت تتقلب من جسد إلى آخر بتوالي الزمان حتى مجيء الرسول محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فتعارفت أرواحهم من أصحاب النبي وقد تأولوا
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ٣٨.
(٢) سورة الفجر ، الآية : ١٥ ـ ١٦.