.................................................................................................
______________________________________________________
أحدهما : أن الكبر والعزة والعظمة لا يليق إلا بالمالك القادر ، فأما العبد الضعيف الذليل المملوك العاجز الذي لا يقدر على شيء فمن أين يليق به الكبر ، فمهما تكبر العبد فقد نازع الله تعالى في صفة لا يليق إلا بجلاله ، وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى : العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته ، أي أنه خاص صفتي ولا يليق إلا بي ، والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي ، فإذا كان التكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه إذ الذي استرذل خواص غلمان الملك ويستخدمهم ويترفع عليهم ويستأثر بما حق الملك أن يستأثر به منهم ، فهو منازع له في بعض أمره وإن لم يبلغ درجته درجة من أراد الجلوس على سريره والاستبداد بملكه ، كمدعي الربوبية.
والوجه الثاني : أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنكف عن قبوله ويشمئز بجحده ، ولذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون عن أسرار الدين ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين ، ومهما اتضح الحق على لسان أحدهم أنف الآخر من قبوله ويتشمر بجحده ، ويحتال لدفعه بما يقدر عليه من التلبيس ، وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين إذ وصفهم الله تعالى فقال : « وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ » (١) وكذلك يحمل ذلك على الأنفة من قبول الوعظ كما قال تعالى : « وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ » (٢).
وتكبر إبليس من ذلك ، فهذه آفة من آفات الكبر عظيمة ، ولهذا شرح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الكبر بهاتين الآفتين إذ سأله ثابت بن قيس فقال : يا رسول الله إني امرؤ حبب إلى من الجمال ما ترى أفمن الكبر هو؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا ولكن الكبر
__________________
(١) سورة فصّلت : ٤٦.
(٢) سورة البقرة : ٢٠٦.