.................................................................................................
______________________________________________________
« إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » (١) فأما وراء ذلك كعلم الطب والحساب واللغة والشعر والنحو وفصل الخصومات وطرق المجادلات ، فإذا تجرد الإنسان لها حتى امتلاء بها ، امتلاء كبرا ونفاقا وهذه بأن تسمى صناعات أولى من أن تسمى علوما ، بل العلم هو معرفة العبودية والربوبية وطريق العبادة ، وهذا يورث التواضع غالبا.
السبب الثاني : أن يخوض العبد في العلم ، وهو خبيث الدخلة رديء النفس سني الأخلاق ، فلم يشتغل أولا بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات ، ولم يرض نفسه في عبادة ربه فبقي خبيث الجوهر ، فإذا خاض في العلم أي علم كان صادف العلم قلبه منزلا خبيثا ، فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره ، وقد ضرب وهب لهذا مثلا فقال : العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا فتشربه الأشجار بعروقها فتحوله على قدر طعومها ، فيزداد المر مرارة والحلو حلاوة ، وكذلك العلم يحفظه الرجال فيحوله على قدر هممهم وأهوائهم فيزيد المتكبر تكبرا ، والمتواضع تواضعا وهذا لأن من كانت همته الكبر وهو جاهل فإذا حفظ العلم وجد ما يتكبر به ، فازداد كبرا وإذا كان خائفا مع جهله فإذا ازداد علما علم أن الحجة قد تأكدت عليه ، فيزداد خوفا وإشفاقا وتواضعا فالعلم من أعظم ما به يتكبر.
الثاني : العمل والعبادة وليس يخلو عن رذيلة العز والكبر واستمالة قلوب الناس ، الزهاد والعباد ، ويترشح الكبر منهم في الدنيا والدين ، أما الدنيا فهو أنهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى من أنفسهم بزيارة غيرهم ، ويتوقعون قيام الناس بحوائجهم وتوقيرهم والتوسيع لهم في المجالس ، وذكرهم بالورع والتقوى ، وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ ، إلى غير ذلك مما مر في حق العلماء ، وكأنهم يرون عبادتهم
__________________
(١) سورة فاطر : ٢٨.