٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال سمعته يقول الكبر قد يكون في شرار
______________________________________________________
وأن كان ليظل جائعا ليتلوى ليلته حتى يصبح ، فما يمنعه ذلك عن صيام يومه ، ولو شاء أن يسأل ربه فيؤتى كنوز الأرض وثمارها ورغد عيشها من مشارقها ومغاربها لفعل ، وربما بكيت رحمة له مما أوتي من الجوع فأمسح بطنه بيدي فأقول : نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك ، ويمنعك من الجوع؟ فيقول : يا عائشة إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم فأكرم ما بهم وأجزل ثوابهم ، فأجدني أستحيي أن ترفهت في معيشتي أن يقصرني دونهم ، فاصبر أياما يسيرة أحب إلى من أن ينقص حظي غدا في الآخرة ، وما من شيء أحب إلى من اللحوق بإخواني وأخلائي ، فقالت عائشة : فو الله ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه الله تعالى.
فما نقل من أخلاقه صلىاللهعليهوآلهوسلم يجمع جملة أخلاق المتواضعين ، فمن طلب التواضع فليقتد به ، ومن رأى نفسه فوق محله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يرض لنفسه بما رضي هو به فما أشد جهله ، فلقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعظم خلق الله تعالى منصبا في الدنيا والدين ، فلا عزة ولا رفعة إلا في الاقتداء به ، ولذلك لما عوتب بعض الصحابة في بذاذة هيئته قال : إنا قوم أعزنا الله تعالى بالإسلام فلا نطلب العز في غيره.
الحديث الثاني : حسن كالصحيح.
قوله عليهالسلام : قد يكون ، أقول : يحتمل أن يكون قد للتحقيق وإن كان في المضارع قليلا كما قيل في قوله تعالى : « قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ » (١) قال الزمخشري : دخل قد لتوكيد العلم ، ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد ، وقيل : هو للتقليل باعتبار قيد من كل جنس ، وقوله : من كل جنس ، أي من كل صنف من أصناف الناس و
__________________
(١) سورة النور : ٦٤.