قال عبادة الطاغوت وحب الدنيا مع خوف قليل وأمل بعيد وغفلة في لهو ولعب فقال كيف كان حبكم للدنيا قال كحب الصبي لأمه إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت عنا بكينا وحزنا قال كيف كانت عبادتكم للطاغوت قال الطاعة لأهل المعاصي قال كيف كان عاقبة أمركم قال بتنا ليلة في عافية وأصبحنا
______________________________________________________
إِلهَهُ هَواهُ » (١) وجعل طاعة الشيطان عبادة له فقال تعالى : « أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ » (٢) ثم نقل أخبارا كثيرة في ذلك ، وقال بعد ذلك : وإذا كان اتباع الغير والانقياد إليه عباده له فأكثر الخلق عند التحقيق مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنية وشهواتهم البهيمية والسبعية على كثرة أنواعها واختلاف أجناسها ، وهي أصنامهم التي هم عليها عاكفون والأنداد التي هم لها من دون الله عابدون ، وهذا هو الشرك الخفي نسأل الله سبحانه أن يعصمنا عنه ويطهر نفوسنا منه بمنه وكرمه.
و « غفلة » عطف على خوف ، وعطفه على عبادة الطاغوت بعيد « في لهو » قال الشيخ (ره) : لفظة في هنا إما للظرفية المجازية كما في نحو : النجاة في الصدق ، أو بمعنى مع كما في قوله تعالى : « ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ » (٣) أو للسببية كقوله تعالى : « فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ » (٤).
« إذا أقبلت علينا » قال قدسسره : الشرطيتان واقعتان موقع أي المفسرة لحب الصبي لأمه « قال : الطاعة لأهل المعاصي » قال رحمهالله : ما ذكره هذا الرجل المكلم لعيسى على نبينا وعليه السلام في وصف أصحاب تلك القرية وما كانوا عليه من الخوف القليل والأمل البعيد والغفلة واللهو واللعب والفرح بإقبال الدنيا والحزن بإدبارها ، هو بعينه حالنا وحال أهل زماننا ، بل أكثرهم خال عن
__________________
(١) سورة الفرقان : ٤٣.
(٢) سورة يس : ٦٠.
(٣) سورة الأعراف : ٣٨.
(٤) سورة يوسف : ٣٢.