وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي وكفلت السماوات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة.
______________________________________________________
ولا يصل من الدنيا غاية مناه فيخسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين « إلا استحفظته ملائكتي » أي أمرتهم بحفظه من الضياع والهلاك في الدين والدنيا.
« وكفلت السماوات والأرضين رزقه » وقد مر « وضمنت » أي جعلتهما ضامنين وكفيلين لرزقه ، كناية عن تسبب الأسباب السماوية والأرضية لوصول رزقه المقدر إليه.
« وكنت له من وراء تجارة كل تاجر » أقول : قد مر أنه يحتمل وجوها الأول : أن يكون المعنى كنت له من وراء تجارة التاجرين أي عقبها أسوقها إليه أي أسخر له قلوبهم له وألقي فيها أن يدفعوا قسطا من أرباح تجارتهم إليه.
الثاني : أني أتجر له عوضا عن تجارة كل تاجر له لو كانوا اتجروا له.
الثالث : أن المعنى أنا أي قربي وحبي له عوضا عن المنافع الزائلة الفانية التي تحصل للتجار في تجارتهم ، وبعبارة أخرى أنا مقصوده في تجارته المعنوية بدلا عما يقصده التجار من أرباحهم الدنيوية « فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ».
الرابع : أن المعنى كنت له بعد أن أسوق إليه أرباح التاجرين فتجتمع له الدنيا والآخرة ، وهي التجارة الرابحة.
« وأتته الدنيا وهي راغمة » أي ذليلة منقادة كناية عن تيسر حصولها بلا مشقة ولا مذلة أو مع هوانها عليه ، وليست لها عنده منزلة لزهده فيها ، أو مع كرهها كناية عن بعد حصولها له بحسب الأسباب الظاهرة لعدم توسله بأسباب حصولها ، وهذا معنى لطيف وإن كان بعيدا ، وفي القاموس : الرغم الكره ويثلث كالمرغمة ، رغمه كعلمه ومنعه كرهه ، والتراب كالرغام ورغم أنفي لله مثلثة ذل عن كره ، وأرغمه الله أسخطه ، ورغمته فعلت شيئا على رغمه ، وفي النهاية أرغم الله أنفه ألصقه بالرغام وهو التراب ، هذا هو الأصل ، ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره.