كترددي عن وفاة المؤمن يكره الموت وأكره مساءته وإن من عبادي المؤمنين
______________________________________________________
من غير تردد ولا تأمل ، صح أن يعبر بالتردد والتأمل في مساءة الشيء عن توقيره واحترامه ، وبعدمها عن إذلاله واحتقاره ، فقوله سبحانه : ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في وفاة المؤمن ، المراد به والله أعلم : ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته ، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية.
الثالث : أنه قد ورد في الحديث من طرق الخاصة والعامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ، ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار ، فيقل تأذيه به ويصير راضيا بنزوله راغبا في حصوله ، فأشبهت هذه الحالة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم ، فهو يتردد في أنه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقل تأذيه به ، فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية ، والراحة العظيمة إلى أن يتلقاه بالقبول ، ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول.
وأقول : يمكن أن يكون التردد إشارة إلى المحو والإثبات في لوحهما ، فإنه يكتب أجله في زمان وآن فيدعو لتأخيره أو يتصدق فيمحو الله ذلك ، ويؤخره إلى وقت آخر فهو يشبه فعل المتردد ، أطلق عليه التردد على وجه الاستعارة ، هذا بحسب ما ورد في لسان الشريعة.
أما الحكماء والصوفية فيقولون : النفوس المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأمور دفعة واحدة ، لعدم تناهيها بل إنما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا ، وجملة فجملة مع أسبابها وعللها ، وربما حكمت بشيء باعتبار الاطلاع على بعض عللها ، ولم تطلع على ما يضادها ويمنع من تأثيرها ، فإذا اطلعت عليها رجعت عن ذلك الحكم كما إذا حصل لها العلم بموت زيد بمرض كذا في ليلة كذا لأسباب يقتضي ذلك ، ولم يحصل لها العلم بتصدقه الذي يأتي به قبيل ذلك ، لعدم اطلاعها على أسباب التصدق بعد ، ثم علم به ، وكان موته بتلك الأسباب مشروطا بأن لا