.................................................................................................
______________________________________________________
يتصدق فتحكم أولا بالموت وثانيا بالبرء ، وذلك لأن شأن النفوس أن يكون توجهها إلى بعض المعلومات يذهلها عن البعض الآخر ، وذلك هو البداء.
ثم إذا كانت الأسباب بوقوع أمر ولا وقوعه متكافئة ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد كان لها التردد في وقوع ذلك الأمر ولا وقوعه ، وينتقش فيها الوقوع تارة واللاوقوع أخرى ، فهذا هو التردد.
ثم لما كانت أفعال الملائكة المسخرين وإرادتهم مستهلكة في فعله سبحانه وإرادته إذ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ومكتوبهم مكتوب الله بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأول ، جاز أن يوصف الله سبحانه بالبداء والتردد وأمثالهما ، فلذا قال سبحانه : ما ترددت في شيء ، إلخ.
مع أنه عز وجل قد قضى عليه الموت قضاء حتما كما قال عز وجل : « ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » (١) وقال : « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ » (٢).
وأقول : هذا بحسب آرائهم ومصطلحاتهم ، وقد مر تحقيق ذلك في باب البداء وقد مرت لتأويل هذا الحديث وجوه أخرى في باب الرضا بموهبة الإيمان.
ثم قال قدسسره : والجملة الاسمية يعني « أنا فاعله » نعت « شيء » واسم الفاعل فيها يجوز أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال « يكره الموت وأكره مساءته » جملة مستأنفة استينافا بيانيا كان سائلا يسأل ما سبب التردد؟ فأجيب بذلك ، ويحتمل الحالية من المؤمن والاستئناف أولى ، والمساءة على وزن سلامة مصدر ميمي من ساءه إذا فعل ما يكرهه.
وقال روح الله روحه : قد يتوهم المنافاة بين ما دل عليه هذا الحديث وأمثاله
__________________
(١) سورة الأنعام : ٢.
(٢) سورة الأعراف : ٣٢.